لا يَرفُّ لي جِفن حين أرَى النَّاس مِن حَولي سُعداء بجَهلهم، ولا يُزعجني مَن يَمتنعون مِن البَشر عَن التَّفكير، بل يُؤرّقني صنف آخر مِن الكَائنات، وهُم أولئك الذين يحجرون على غيرهم التَّفكير، وما ذَلك إلَّا لأنَّ التَّدبُّر نِعمة إلهيّة، وحرمان البَشر مِنه يَقضي عَلى جلِّ الغاية مِن خلقهم..! فحينما يَستعرض كَاتِب مَا حُكمًا فقهيًّا لا يَستمزجه أحد مِن «جماعتنا» –وإن اتَّفق عليه بَعض العُلمَاء قَديمًا أو حَديثًا-، أو يُعاضد اجتهادًا استنبطه أحد البَاحثين؛ وفق الأصول التي قرَّرها الرَّاسخون في العِلْم، يَقفز بعض المُرجفين ل”لجم” كُلّ مَن تُسوِّل له نَفسه الخَوض في مِثل هذا الأمر، بحجّة عدم «التَّخصُّص»..! هذه المُفردة أصبحت سَوطًا؛ يُضرب به كُلّ مَن يُحاول أن يُقدِّم قراءة جَديدة لنَصٍّ ما، أو يُزحزح مَفهومًا أو يُخلخل فِكرة خَاطئة، وقد نَالني النَّصيب الأوفر مِن التَّقريع، حين عرضتُ قبل أشهر فِكرة، لامَسَتْ شيئًا في نَفسي، للباحث الأستاذ «عبدالله العلويط» حول «بِدعة الإغلاق للصَّلاة»..! فلو رجعنا لأدبيّات الحِجاز قبل أربعين عَامًا؛ لوجدنا أنَّ الأسواق لَم تَكن تُقفل للصَّلاة، وقد عَايشتُ شيئًا مِن ذَلك في طفولتي في المدينة المنوّرة، فكَانت الصَّلاة تُقسَّم إلى جُزءين، الأُولى صَلاة «العمَّان» -جمع «عمّ» أي أصحاب المحلَّات- الذين كانوا يُصلُّون ثُمَّ يَعودون لمَتاجرهم التي لم تُغلق، لأنَّ فيها الصّبيان «العمَّال»، الذين يَذهبون بدورهم للجُزء الثَّاني مِن الصَّلاة، وتُسمَّى صلاتهم صلاة «الصّبيان»..! ولو رجعنا للنَّص القُرآني سنَجد أنَّ الآية صَريحة وبَسيطة في تَوجيهها؛ الذي يَنهى عن البيع وقت صَلاة الجُمعة فَقط: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».. أعلم أنَّ بَعض المُرجفين والمُتشدِّدين يَستكثرون عَلى مِثلي أن يَستشهد بالآيات الكريمة، والأحاديث بحجّة عَدم «التَّخصُّص»..! والباحث «عبدالله العلويط» لم يأتِ بجَديد، حين أثبت أنَّ إغلاق المَحلَّات وَقت الصَّلاة بِدعة، لأنَّها لم تَكن على أيَّام الرَّسول، وإنَّما سَار على نَهج كثيرين سَبقوه، لكن أبرز مَآخذه كانت حَصر وقت الصَّلاة في وقتٍ ضيّق، ثُمَّ إنَّنا إذا تَدبَّرنا العَالَم الإسلامي سنَجد أنَّ الأسواق لا تُغلَق إلَّا يوم الجُمعة، ولا نَستطيع أن نَعتبر أكثر مِن مليار مُسلم عَلى خَطأ، ونَحنُ فَقط عَلى صَواب، إلَّا إذا كَان الإسلام خاصًّا بنا ونحن وحدنا الذين نَحتكر تَفسيره، وعلينا بالتَّالي أن نُجري تَفتيشًا دَقيقًا لكُلِّ المُسافرين على المَنافذ الحدوديّة، حتَّى لا يتم تَهريب أسرار عَقيدتنا الخاصَّة..!. [email protected]