الصحوة الدينية في السعودية تحديدا، وفي منتصف الثمانينات كانت تعيش أفضل أيام عمرها من ناحية الاستقطاب العددي للمجتمع، ولعل ذلك راجع لأكثر من سبب كما ذكرت في مقالة سابقة إلا أن قدرة هذا التيار على التغلغل في المجتمع تستحق الإشادة كونها اعتمدت على عنصرين رئيسيين هما الخدمات الاجتماعية والبعد الديني. وكون الأولى هي التي تعنينا هنا لاسيما وهي أن الصحوة قدمت خدمات اجتماعية جليلة وكبيرة منذ تلك الفترة إلى هذا اليوم من خلال منافذ مبتكرة وتقليدية على حد سواء، وهنا أشيد بالفكرة في أساسها وليس في آليات تنفيذها بعد ذلك، أو جمودها وعدم قدرتها على التطور، فحلق تحفيظ القرآن الكريم كانت بمثابة محضن اجتماعي آمن في تلك الفترة للأبناء ومن خلالها تحقق لكثير من الأسر نوع من الاستقرار المنشود لأبنائها، كما أن المراكز الصيفية في أوج مجدها يوم أن كانت تزخر بمختلف الأنشطة وأنواع الطيف الاجتماعي، فكانت أحد مراكز الإبداع الفني من خلال المسرح والتمثيل بالإضافة إلى فنون الرسم، وكان المسرح وقتها قادرا على استقطاب مؤسسات فنية لمراقبة الكوادر الشابة في فن المسرح والتي كانت تعبر باقتدار عن وجود موهبة حقيقية في هذا الفن، إلا أن موجة التشدد التي ضربت الصحوة بعد ذلك أضرت بأنواع الفن التي رعته في بدايتها وقتلته في منتصفها! وذلك بعد أن شب جدل ديني داخل الصحوة عن شرعية التمثيل توج في كتيب في 60 صفحة متوسطة الحجم طبع عام 1411ه للشيخ بكر أبو زيد، رحمه الله والذي خلص المؤلف في خاتمة الكتاب إلى تحريمه لكونه بدعة إن كان تمثيلاً دينياً وتحريمه إن لم يكن دينياً، لما فيه من التشبه فهو لهو محرم ولما يترتب عليه من آثار سيئة وبذلك قضى على التمثيل من خلال رأيه الفقهي الذي شكل لدى الكثيرين رأيا قطعيا لا ينبغي نقاشه أو الرد عليه، ومن ذلك الحين والمسرح أصبح رافدا تكميليا ليس له أي اعتبار قوي في مسيرة الصحوة! وبرغم وجود آراء أخرى كانت تجيز التمثيل والمسرح إلا أن لغة الشيخ بكر أبو زيد كانت مبهرة للكثيرين. وبالعودة إلى نشاطات الصحوة الاجتماعية ومع انخفاض القناعة بما تقدمه المراكز الصيفية لروادها نتيجة جمود صاحب تلك الفترة ارتكز على جدلية حكم وسائل الدعوة وهل هي اجتهادية أم توقيفية؟ جدل لم يكن من المفترض أن ينشأ لكنه كان بمثابة انشقاق داخل الصحوة الإسلامية التي تنتمي للتيار السلفي بشكلها العام في السعودية، هذا الجدل كان سببا في الكثير من الردود والردود المضادة من داخل هذا التيار، فظهر وقتها ما يسمى بالسلفية المدخلية وسلفية المدينة والألبانية وانتشر مسمى السرورية حينها على الطرف الآخر، وكون الخلاف في أصله كان على أساسيات انطلقت من توقيفية وسائل الدعوة ولم تنته عند الطائفة المنصورة والفرقة الناجية! وهو ما يؤكد لنا أن الانشقاق الذي حصل داخل الصحوة في ذلك الوقت انطلق من أسباب فقهية وعقدية لم يستطع المختلفون الالتقاء على منهجية علمية والحوار عليها بسبب اختلاف المدارس التي نهلوا منها علميا ما بين مدرسة أهل الحديث ومدارس فقهية أخرى.