تقول النكتة العربية إن أحد المسؤولين ذهب ليجتمع بالمواطنين، ويستمع لشكاواهم وقضاياهم وهمومهم، وفي ساحة عامة وفي خضم الحديث، وقف مواطن يُدعى يوسف ووجّه سؤاله قائلاً: يا سيدي أين الخبز الرخيص؟ أين الماء الصالح للشرب؟ أين الكهرباء؟ وفي العام الذي تلاه عاد المسؤول نفسه ليجتمع بالناس ويستمع لشكاواهم وهمومهم، فوقف مواطن وبادر بسؤاله قائلاً: سيدي أين يوسف؟ أتذكر هذه النكتة، وأنا أفتح صحيفة «الوطن»، فلا أجد يوسف، أقصد الكاتب الأستاذ محمد الرطيان، الذي اختفت زاويته اليومية من على صفحات الصحيفة، واختفت معها أفكاره المحلقة مرة في فضاء المجاز، ومرة في تراب الواقع، ومرة في فتحة الجرح، ومرة في طيات الأمل، والتي طالما قام جمهور كبير من القراء بنسخها وتداولها عبر رسائل البريد الإلكتروني أو الهاتف المحمول. محمد الرطيان القلم الصادق والشفاف اختفى عن الكتابة منذ أسابيع تحت إشاعة كبيرة أنه أُوقف عن الكتابة، وهذا التوقيف ينفيه ويتنصل من مسؤوليته المسؤولون في جهات الرقابة والمنع في وزارة الإعلام، الذين يؤكدون أنه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لم تعد الوزارة توقف كاتباً عن الكتابة. أما هيئة الصحافيين على ما يبدو انشغلت بتأصيل نظرية استحالة وصول المرأة لرئاسة التحرير، بسبب مسؤوليات الطبخ والغسيل، فلم تصدر أي بيان يقول لنا إن محمد الرطيان يرفل في رحلة سويسرية، ليشحذ عقله الضجر ببعض قضايا التنوير والتحرير. هل صحيح أن قراء الرأي العام لا يعرفون حقيقة أين ذهب محمد الرطيان، أم أن تقنية الاتصال الهائلة قادرة على نشر كل ما تناقلته المجالس من حقائق وإشاعات في ضغطة زر واحدة عبر الإنترنت؟ بل إنهم أيضاً تداولوا رأياً بينهم يقول إن الصحيفة لا تحترم حقهم في أن يمثّلهم قلم مثل محمد الرطيان وجدوا في صدقه تعبيراً عن مطالبهم، وأنه ليس في تنظيمات وزارة الإعلام ومهام هيئة الصحافيين ما يضمن حق كاتب في التعبير، ولا يضمن حق هامش من التعبير أن يستمر، وأن هذا الهامش مهما اتسع، فإنه في مناسبات ما معرض دائماً للانحسار. ترى ماذا يقول الناس اليوم عن ظاهرة اختفاء «قلم كاتب» يتعلق به الناس من دون أن يعبأ به أحد، ولا يتصدى لإنصافه قانون؟ ما الذي شغلنا عن يوسف وعن محمد الرطيان، هل هي مشكلات في وزارات معينة، أم بطالة شباب وفقرهم، أم تجاوزات وأخطاء وزارة الصحة، أم تدني رواتب الموظفين، أم أنها عجاج لا يهدأ انتهى اليوم بهدامي الحرم المكي ومطلقي رصاص التكفير والدياثة؟ أود أن أعترف لكم بشيء مهم أنه لولا أنني وجدت أن زملاء لي كفوني شر الرد على التكفيريين وملتاثي الهدم والتعطيل، لما وجدت وقتاً أسأل فيه أين محمد الرطيان؟ [email protected]