خلف الحربي * عكاظ السعودية صديقي صالح الطريقي ورطني مع صديقي الآخر الكائن الافتراضي الإنترنتي المسمى: (أبو عزيز)، فقد نقل الزميل الطريقي في مقاله أمس تخميني حين قلت له بأنني أشك في أن وراء رسائل (أبو عزيز) أكثر من شخص وكأن هذا التخمين معلومة قاطعة أعلمها علم اليقين، والحقيقة أنني أعرف أبو عزيز من خلال رسائله الإلكترونية اليومية وقد طرحت عليه مباشرة سؤالي المتعلق باحتمالية كونه أكثر من شخص أو أن يكون لديه جهاز سكرتارية قياسا بحجم نشاطه اليومي، فأكد لي الرجل أنه شخص واحد يعتمد على جهوده الفردية ولا يوجد لديه جهاز سكرتارية. عموما.. أبو عزيز هذا شخص محتسب يرسل رسائل إلكترونية موحدة إلى الكتاب والإعلاميين تتضمن مواضيع صحافية ومقالات وأخبارا يعلق عليها مستهجنا أو مستحسنا بعبارات كتبت بألوان مختلفة ثم يرفق مع كل تعليق ملون رابط المقال، وهو مؤمن أنه يقوم بمهمة مقدسة لمحاربة الفكر التغريبي، ورغم أنني أحترم كثيرا إخلاصه للقضية التي يؤمن بها إلا أنني لم أفهم كيف يحارب التغريب من خلال فضاء الإنترنت المستمد من الغرب؟!، وفي أغلب الأوقات أستطيع أن أقول بأن علاقتي مع أبو عزيز (سمن على عسل) ورغم ما يتخللها من رسائل عتب ساخنة بين حين وآخر، صحيح أن نسبة الاتفاق بيني وبين أبو عزيز لا تتجاوز 1 في المائة إلا أن كل واحد منا يرى أنها نسبة كافية كي نبقي على صداقتنا. عادة ما يبدأ أبو عزيز رسائله الصباحية بعبارة (وجهان للشيطان: التغريبيون والتخريبيون)، وفي بعض الأيام التي أصحو فيها من النوم باكرا أتجه ببطء إلى الكمبيوتر وأفتح بريدي وأنا (ما عندي من الشيطان طاري) لتفجعني رسالة أبو عزيز اليومية بعنوانها اليومي المرعب: (وجهان للشيطان!!) فأغلق البريد فورا باحثا عن أسرع فنجان قهوة وأنا أردد: (.. يالله صباح خير.. من المقرود اللي مزعل أبو عزيز اليوم؟)، في بعض الأحيان يكون الشخص (المقرود) الذي أثار غضب أبو عزيز هو محدثكم وحينها: (تخرب الصداقة.. وهات يا تحقيق؟. ليش كتبت كذا؟. ووين كنت ساعة حدوث الجريمة؟). أبو عزيز (كما قال لي في حوار لم أنشره احتراما لرغبته) يصحو باكرا من النوم ثم يقوم بجولة سريعة على شبكة الإنترنت حيث يركز على المواضيع المحلية ولا يهتم إطلاقا بقضايا السياسة الدولية أو أخبار الرياضة، أما بالنسبة للمقالات يكتفي بقراءة عنوان المقال كي يعرف ما إذا كان صيدا ثمينا لنشرته الصباحية أم لا؟. غالبا ما يختار (أبو عزيز) المواضيع التي تتعلق بهيئة الأمر بالمعروف أو المرأة أو المقالات التي يشم فيها رائحة تغريبية لأنه يرى أن فضحها وفضح أصحابها واجب، وفي بعض الأحيان تعجبه بعض المقالات أو المواضيع المنشورة في الصحف أو منتديات الإنترنت فيجد أن ترويجها قد يكون مفيدا في محاربة من يسميهم ب(التغريبيين)، وتبقى الميزة التي يجب أن تسجل لأبو عزيز وهي أمانته في النقل حيث لا يختار مقتطفات من المقال الذي يعترض عليه ولا يغير العنوان أو يفسر قول الكاتب على هواه، بل يرفق لك الرابط لتقرأه بنفسك. في نهاية ذلك الحوار السري (الذي لم ينشر) سألت أبو عزيز عن عمره فأجابني أنه (يحترم في الغربيين أنهم لا يسألون الشخص عن عمره أو راتبه)، ضحكت كثيرا على هذه الإجابة، فحتى أبو عزيز المناهض الأكبر للتغريب يمكن أن يكون تغريبيا دون أن يشعر!.