منذ أكثر من أربعين عاما والمشهد الثقافي السعودي يشهد سيطرة تيار الأغلبية (إن جاز التعبير) وهو ما يتعارف عليه بتيار الصحوة هذا التيار المحافظ الذي استطاع أن يجد طريقه في البنية الاجتماعية السعودية نتيجة قواسم مشتركة كثيرة أولها المحافظة الاجتماعية والتدين الفطري مرورا بالمرأة، ولعل هناك حقائق لابد من الوقوف عندها قبل الخوض في انتقاد الصحوة. فالصحوة الإسلامية هي التيار الوحيد خلال الفترة الماضية الذي استطاع الوصول إلى الناس بمختلف شرائحهم، وإذا كان رواد الثقافة العربية في الثمانينات هم نتاج الرؤى اليسارية والقومية والمتأثرين بها، فإن كثيراً من مثقفي اليوم هم نتاج الصحوة الإسلامية والمتأثرين بها بشكل أو بآخر، هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن تيار الصحوة الإسلامية كتيار شعبوي جارف خلال الثمانينات ترك خلالها بصمة معرفية قد تكون سالبة أو موجبة أحيانا، لكن من المؤكد أنها كانت تياراً قوياً لتحريك المعرفة في مجتمعات راكدة (كمجتمعات الخليج) من خلال أجندة الصحوة الفاعلة في ذلك الوقت والتي كانت تتمثل في (الكاسيت الإسلامي) وما يحتويه من تنوع استطاع خلالها كسب شريحة كبيرة بالإضافة إلى الصراعات الجانبية مع تيارات مغايرة لتيار الصحوة، يومها لم يكن هناك أي تيار قوي آخر منافس قادر على الاستقطاب كما هو حال الصحوة، لكن يبقى أن هناك خللاً ما حال دون استمرارية ريادية مثقفي الثمانينات (اليسار والقومي) رغم وجودهم اليوم، الأمر ذاته ينسحب على مثقفي اليوم الذين أزعم أن كثيراً منهم نتاج الصحوة الإسلامية بشكل أو بآخر، وأنا بذلك لا أقصد أن ثقافتهم نتاج الصحوة لكن بداية تشكلهم كانت على يد الصحوة. بقي أن هناك ظاهرة لابد من التوقف عندها وهي أن كثيراً ممن هم نتاج الصحوة باتوا اليوم إما خارجون عن نسقها الفكري أو خصوماً أشداء لها!. تُرى هل الخلل كان في الصحوة ذاتها التي ساهمت في تفتح هذه العقول الثقافية وفتحت لها باب المعرفة -وهي حقيقة يكرهها الكثير اليوم- أم إن الأمر في الأشخاص أنفسهم وتركيبتهم الفكرية والنفسية؟. ليس من السهولة الإجابة على هذا السؤال دون دراسات تحليلية معمقة لشخصيات أثرت وما زالت تؤثر في الحراك الفكري من خلال آرائها الجريئة وتقلباتها السريعة! الصحوة الإسلامية في الثمانينات الميلادية لم تكن تنافس ندا قويا لها كما هو اليوم بين الإسلاميين والليبراليين والتي يجب أن لا يكون الصراع القائم بينهما اليوم على أساس إعادة ترتيب الأدوار فالصحوة تيار لا يزال قويا ومتماسكا والليبرالية في نمو سريع أيضاً، لذا فإن أي خطوة غير محسوبة من قبل أي من التيارين يمكن أن تولد تصادما حادا نتمنى أن نتجاوزه بالمعرفة دون غيرها، وليس غريبا أن كلا التيارين اليوم يلعبان في إطار الاستعداء السياسي وهو ما يشكل خطورة كبيرة على الحراك والتغيير في أي مجتمع.