في خضم السجال النخبوي بين المثقفين نكاد أن ننسى أسماءً على مستوى كبير من الأهمية؛ بعيدة عن الضجيج والإعلام، بعيدة عن المنازعات والصراعات. لكنها رصدت التاريخ الشفهي، والاجتماعي، والثقافي المحلي السعودي. عبد الكريم الجهيمان، قدم مادة خام لكل الباحثين المهتمين في كتابه: (الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب). إن رصده للأمثال لا يعني مجرد رصد عبارات؛ وإنما رصد تاريخ ثقافة، فكل مثل يدل على مخزون ثقافي معين، يعكس رؤية الناس للعالم والواقع، فالأمثال الشعبية دلالات رمزية على وعي معين، وعلى تصورات معينة. وكذلك فعل أحمد السباعي في كتابه:(معجم الأمثال الشعبية في مدن الحجاز). أما حمد الجاسر فقد استطاع أن يطلق آلات بحثه الخطيرة؛ كل آلة عبارة عن سبع يتحين فريسته، فقدم للمكتبة العربية والسعودية: (معجم القبائل) -لا لتغذية الفخر بالأنساب- وإنما لمعرفة التاريخ. كما قدم:(المعجم الجغرافي للبلاد السعودية) وكتاب: (معجم أسماء خيل العرب وفرسانها) وكتاب:(بلاد ينبع) وكتابه:(مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ). كما قدم كتاب:(السوانح) والتي بينت شخصيته الجميلة والعظيمة، وعشقه للمعرفة والبحث. كذلك فعل المؤرخ: سعد الجنيدل في جهوده في التأريخ خاصة في كتابه:(معجم عالية نجد) وهو كتاب شمل التعريف بأكثر من ألفي موضع. وبقي من جيل الكبار جهد الرحالة والمؤرخ: محمد بن ناصر العبودي، في كتبه الكثيرة منها:(معجم القصيم الجغرافي) الذي أرخ لأغلب الأمكنة، حتى الشجيرات المهجورة- التي لها قصص تستحق التدوين -كتب عنها. وسيكون كتابه:(معجم أسر القصيم) مطبوعاً في معرض الرياض للكتاب بعد أسابيع، وهو مشروع استثنائي في التاريخ لمنطقة من المجتمع السعودي، والكتاب-بالمناسبة- لا يهدف إلى نسبة العائلات أو عدم نسبتها من الناحية القبلية، وإنما هو جهد تعريفي يدخل في إطار العمل والتوثيق للأفراد والحركة الاجتماعية، يعكس تاريخ كل عائلة الحالة الاقتصادية والسياسية والفكرية والدينية في منطقة القصيم. قال أبو عبد الله غفر الله له: لا يجب أن ننسى هذه القامات العظيمة. فهي شخصيات استثنائية في عالم المعرفة والتثاقف، في عصر أصبح السجال الثقافي تصبغه الذات وحظوظ النفس. أولئك العلماء الكبار قل مثيلهم في معترك الحديث والسجال حول أمور ثانوية صغيرة. بالأمس فقدت الحجاز عالما مهما هو عاتق بن غيث البلادي صاحب كتاب:(طريق الهجرة). إنهم يؤرخون ولا يؤججون النعرات يؤرخون لتراب البلاد ولمعاناة مجتمع شق طريقه بنفسه من تاريخ الصحراء والجوع إلى مرحلة المدنية والتحديث. فشكراً لهؤلاء الأجلاء الذين دونوا تاريخ مجتمع بأكمله.