منع دخول الكتاب إلى أسواق المملكة عمل رمزي. لا أظن أن أحدا يهدف من ورائه منع قراءته. كل الكتب التي منعت وصلت إلى مستهدفيها. لا يأتي هذا بفضل الاتصالات الحديثة. عرفنا ذلك منذ عرفنا الكتب. لا أتذكر أن كتابا منع ولم أحصل عليه. في مطلع السبعينيات امتلأت الصفحات الثقافية السعودية بأسماء قساوسة الإلحاد العالمي. سارتر وكامي ورسل وغيرهم. اكتشفت بعد فترة أن كتب هؤلاء ممنوعة منعا باتا. اكتشفت بعد فترة أخرى أن كتب هؤلاء موجودة في كل بيت سعودي فيه ريحة ثقافة. بعض البيوت لا يوجد بها سوى كتب ممنوعة. أقصى ما أنجزه المنع هو رفع سعر الكتاب. اشتهر في ذلك الزمن كتاب بعنوان اللامنتمي . مؤلفه كاتب بريطاني دجال اسمه كولن ولسن. اشتريته بثلاثين ريالاً مع أن سعره الحقيقي في بيروت أو القاهرة لا يتجاوز عشرة ريالات. ما كان موضوعه يعنيني. كنت أصغر من أقرأ مثل هذه الكتب. ميزة المنع أنه يأخذ الكتاب إلى قراء لا يعنيهم. كنت في مكتبة في دمشق، أقلب كتاباً. قال البائع الجالس هناك: هيدي ممنوع عندكو في السعودية. بعد حوار قليل فهمت منه أن السعودي يشتري الكتاب لأنه ممنوع فقط. أرجو ألا يفهم أي قارئ أني أهدف إلى رفع الرقابة عن الكتب أو أحرض على ذلك. اتجه أن أقرأ الرقابة على الكتب في سياقها الثقافي والحضاري. ما الذي تفهمه عندما تعرف أن الرقابة في الماضي كانت عكس الرقابة في وقتنا الحاضر. كان لدى الرقيب قائمة بالكتب الممنوعة. الآن أصبح لديه قائمة بالكتب المسموح بها. كان الأصل هو السماح والآن أصبح الأصل هو المنع. هذا السلوك متجذر قبل ذلك في الفتاوى. في الإسلام الأصل هو الحلال والحرام هو الاستثناء. لو لاحظنا في الثلاثين سنة التي تفاقمت فيها الرقابة على الكتب أنقلب أمر الحلال والحرام. أصبح الأصل في الفتاوى هو الحرام والحلال استثناء. تحول هذا إلى سلوك ثقافي معاش بشكل يومي. لو سألت جندياً في وسط الربع الخالي ممكن البق سيارتي هنا.لقال بشكل عفوي: أمش الله يهديك ممنوع.. نتحرك في هذا العالم وفي داخلنا عقدة ذنب صغيرة على كل شيء نفعله. نبحث عبثا عن شيء صغير يسرنا دون إحساس بألم داخلي. الإنسان السعودي مسجون في داخله. أي واحد يستطيع أن يضع قائمة بسلوكياته ويقيسها بالحرام والحلال والممنوع والمسموح. كل تصرف تتصرفه مغروس في داخله شيء من الذنب. السفر يشوبه محاذير. تشاهد التلفزيون وفي دماغك قائمة من المحاذير. تخرج أنت وزوجتك تشرب فنجان قهوة في مقهى فيه محاذير بل مجرد أن تخرج زوجتك أو ابنتك مع الباب فيها محاذير. ما رأيك في الخدامة في بيتك وملابس ابنك وألعاب أطفالك وحجاب ابنتك. لا تنسى أن قراءتك لهذا المقال فيها محاذير أيضا. الرقابة على الكتاب ليست إجراء معزولا. غصن صغير من شجرة شوك شاملة مغروسة في أعماق الوجدان.