قلت بالأمس: إن تعاطف المجتمع مع المصابين «بالإيدز» لا يعني حماية المرضى فقط، بل وحماية للمجتمع أولا وقبل أي شيء.فالقصة التي يعرفها بعض «سكان مستشفى الملك سعود» تؤكد ما أذهب إليه وأن التعاطف يصب لمصلحتك غالبا. تقول القصة: كانت امرأة كأغلب النساء اللاتي يعتقدن أن مملكتهن هي البيت، وأن مهمتها الأولى هي تربية الأولاد الذين يخبئهم المستقبل لها ولزوجها الطيب إلى حد ما. هي كذلك وكباقي النساء الطيبات والوفيات لثقافة المجتمع، تعتقد أن عليها تفهم رغبات وقانون الرجل في الترحال والسهر والسفر. وأن مهمتها تحقيق رغبات زوجها، كما أوصاها المجتمع، حتى وإن تعلق الأمر برغبة رجل أن يدمر امرأة، فليدمرها وينتهي، المهم أن تتحقق رغبات الرجل وإن كانت لا تزيد عن رغبة في السفر. وككل النساء الوفيات والطيبات، وعدهن المجتمع أنه وفي نهاية المطاف، سيعود لبيته/لزوجته بحثا عن السكينة والهدوء، بحثا عن ممرضة تداويه لتدخل الجنة.عاد الزوج منهكا ومدمرا من الداخل، عاد يحمل معه جرثوم بداية الموت، ورثها الجرثوم «الإيدز»، هو كذلك ودون قصد ورثها تهمة الرذيلة بعد أن مات. أهل زوجها وبعد أن اكتشفوا ما ورثه زوجها لها، وضعوا محاكمة سريعة، خطفوا أطفالها، ونذروها للطرقات، فيما أهلها اجتنبوها كالرجس.لم يكن لديها مال يوصلها كل مرة للمستشفى لتلقي العلاج، ولأنها جميلة كان لابد من أن تدفع ثمن مساعدتها.كفرت بكل وصايا المجتمع، وأقسمت أن تنتقم، كانت تذهب ودون مال لنشر المرض، وكانت تبيع الموت انتقاما. حين أنهكها الألم، احتضنتها إخصائية اجتماعية، اعتزلت كل شيء، راحت تراقب عمل «الجرثوم» وهو يهدم جسدها، فيما روحها تتألم على خطيئة لم تصنعها هي، وأسرة قاسية جعلتها مثلها، ومثلهم أصبحت بلا قلب. هذه القصة وللوهلة الأولى يمكن لنا كوعاظ أن نصب لعناتنا على تلك المجرمة، صحيح أنها مجرمة، والصحيح أيضا أنها وقبل جريمتها كانت ضحية. تخيلوا لو أننا أعدنا صياغة قصتها قليلا، وبدل أن تحاكم وينزع أبناؤها منها، وبدل أن ترفضها أسرتها، وألا تدفع الثمن جسدها للمساعدة، وأن الجميع احتواها وضمها، ومنحها عطفه، وتم تثقيفها هي وأبنائها ليجتنبوا انتشار هذا المرض. بالتأكيد لن تكفر بالمجتمع، ولن يكون هناك مبرر للغضب، والمؤكد أن لا شيء سيدفعها للانتقام. خلاصة القول: إن الدراسات تؤكد أن 93 في المائة من سكان السجن أو المجرمين كما ينعتهم وعاظ العالم، هم في البداية كانوا مهمشين ومضطهدين، وضحايا لمجتمعات لم تمنحهم الفرصة من أجل حياة أفضل. إنهم تحديدا يشبهون تلك المرأة الضحية التي أصبحت مجرمة، لأن لا أحد تعاطف معها، لهذا حين يتعاطف المجتمع مع أفراده، هو في النهاية سيحقق مصلحته، وإلا هؤلاء الضحايا مع الوقت، ومع الظلم، سيصبحون مجرمين ينتقمون من مجتمع لم يرحم أبناءه.