مشهد 1- رجلان راشدان أجنبيان عند مدخل أحد المجمعات التجارية، يمنعهما رجل الأمن من الدخول للسوق، والسبب: للعوائل فقط! مشهد 2- طفل في المرحلة المتوسطة يريد الدخول لمجمّع المملكة لشراء شريط من روتانا، منع من الدخول، فالدخول للعوائل! يحاول الطفل بالمعروف، لا فائدة! فخصوصيتنا قد تضم الطفل أيضا لساحات الغزل الشيطاني المتوهم! مشهد 3- شاب مهذب يوقف سيارته أمام مجمع جديد، ومن مدخل "الدانوب" السوبر ماركت منع من الدخول، فقد يغازل، الله يستر، من يدري؟! يغضب الشاب لاتهامه بما لم يحصل بعد وقد لا يحصل! لكنه وهم فضيلة سلطوية ، مستمدة من باب سد الذرائع المشرع بشكل واسع لوقف الحياة، ليواجهنا بسؤال جذري: من يحق له هذا التدخل اللامشروع في حريات الآخرين لمجرد توهم فضيلة، انتهاكها لايتعدى عقول مبدعيها!؟ الأجنبيان اندهشا، ولم يجدا مفرا من الرجوع، يصطحبان سؤالاً ربما لن يتوقع أو لن يجد إجابته أحد! أما الطفل الصغير فكان الأذكى، قادته طفولته الجميلة المجروحة بما لا يعلم أبعاده، فاحتال على مدخل آخر، مشيراً إلى إحدى المارات وتبعها كأنها والدته، أخذ حاجته الملحة بطفولة وخرج، أجبروه على الكذب فاستذكى به، وافتخر أمام والدته الحقيقية! أما الشاب فاتصل بوالدته غاضبا، يصرخ لأجل حريته التي صادروها بلا وجه حق! الأم لاتملك جوابا، طبطبت على غضبه وأسرعت إليه، دخل معها للدانوب، وهو لا يزال يتجرع مرارة قهره. لم نسمع في كل المراحل الزمنية السابقة بإجراء يمنع الشباب من الأسواق، أو يحدّد لهم ساعات أو أياما تفصل دخولهم عن العوائل، فالمعيار تهكمي والصورة تفترض رِدّة في مفاهيم الأخلاق وفرض للوصاية، فكونك متهما حتى تثبت إدانتك يستوجب عقابا جماعيا لا يفرق بين صالح وطالح، وعلى خلفية هذا العقاب الاحترازي الجماعي، تفتقت عقول بعض الفتيات للاستفادة بالمساومة المادية لإدخال بعض الشباب للأسواق، ربما كنوع من أساليب الاسترزاق الاستغلالي، ولاغرو فالقرارات السيئة تفرض واقعا استغلاليا ذا مخارج احتيالية. إن الحياة تهدَر في مآقي ونفوس وقلوب الشباب التائقة لحرية الذات ومسؤولية الضمير، لمجرد التماس رضا مجموعة من الناس، حدود رضاها لا تتوقف عند حد ولا تستكين إلا أن ترى الكل تقع أخلاقياتهم أسيرات ميزان سدود ذرائعية. فالفرد له مسؤولية عظمى تجاه نفسه وتربيتها سواء كان ذلك على مقاعد الدراسة أو في العمل أو في البيت أو في الشارع، وبتربية ذاتية وإرادة حرة بموجبهما يتبع الإنسان السلوك الفاضل. لا حدّ لهوس تقييد الحريات، لأنه رفض للتفكير بنية توسعية، يستمد سلطانه من سد الذرائع المنشق باتساع السماء، مصادماً بداهة حق الإنسان في أن يكون سيد جسمه وقلبه ووجهه ويده ولسانه، الحق الطبيعي لكل إنسان خوطب من خلال مسؤوليته القرآنية ب "كل نفس بما كسبت رهينة". وبإلغاء المفهوم الإنساني "المرأة قسيمة الرجل"، استمرئَ انتهاك حقوق الإنسان، بتبريرات يهيمن عليها الفهم التأثيمي، لأجل إملاءات فوقية تتخبط في مسوغاتها، لكن الواقع يثبت أنه لن يتحرر الرجل مادامت الحرية منقوصة، وما زالت المرأة حبيسة الوصاية والدونية، فسيطال ذلك الرجل، وهو ما كشفته المشاهد الآنفة بداية المقال. إن التمرد على الأبواب المغلقة يغذي جنون السجان، فيزداد نزقاً، ويزداد سجينه تمردا، وأولى بالأبواب أن تبقى مفتوحة وأن يتحمل كل مسؤولية وجوده في عالم مفتوح، فما نراه من تصرفات بعض الشباب الهوجاء هو نتيجةً لا ابتداء للتسلط على حرية وكرامة الإنسان! إذ أين المنطق في منع إنسان حقه لاحتمال أنه ربما يسيء استخدامه؟ ولماذا لايكون الجزاء للتعدي لا مجرد توهمه. إنها نتائج ثقافة التقولب التي تلغي الخصوصيات الفردية أو تحجبها، والمسكوت عنها في خطاباتنا الفكرية، المتغذية بالذات على إملاءات ذات ثنائيات حدّية صارمة: الفضيلة مقابل الفساد، الإيمان مقابل الكفر، الخير مقابل الشر، ثنائيات لا تترك مجالا للخيار، فالتقولب ثقافة تمجد قابلية الفرد للذوبان في الجماعة، لدرجة تمنع تأسس مفهوم الفردانية بشكل واضح المعالم، هذا الوضع في وقتنا الحاضر وبالاصطدام بقيم عالمية تفرض حضورها بقوة في واقعنا وديارنا، صار عائقا أمام التنمية، وفي طريق الابتكار والإبداع الذي يتأسس على مفاهيم الحرية والاختلاف، التي تعد مفاهيما وقيما أساسية في أزمنة الحداثة المستدعية للفردانية وكل ما يتساوق معها من مفاهيم، والمنفرة من القولبة والتماثل الاجتماعي. إننا بحاجة لتعميق الوعي بالأزمة لدينا خاصة في المسائل الأخلاقية، وعلاقة الرجل بالمرأة، كي نفيق من وعي تم تزييفه، فسُن ما لم يسن كباعث على التأثم وانسياق لأوهام التوخي والاحتياط، ما يفسر زيادة المستحدثات التي تهاجم الحريات الفردية وتهتك الكرامة الإنسانية، وبإضفاء طابع بوليسي استبدادي على الأفراد، يحول دون الإنسان وتحقيق شوقه الدّفين إلى الحرّيّة والكرامة. سؤال: إذا صارت أخلاقنا أقداراً فرضت بقوة لا بإرادة حرة، فعن ماذا سيحاسبنا الله؟