عبدالله ناصر الفوزان * الوطن السعودية كتابة العدل الثانية جهاز خدمي يرتبط بوزارة العدل ويفترض أنه يعمل وفق توجيهاتها. ووزارة العدل جهاز يرتبط بمجلس الوزراء ويفترض أنه يعمل وفق توجيهاته. ومجلس الوزراء هو الجهة التشريعية والتنفيذية العليا في المملكة ويفترض أنه هو الذي يصدر أنظمة البلاد ويرسم سياساتها، ويشرف على تنفيذها، ويتابع جميع الأجهزة المرتبطة به ليتأكد من تقيدها بالأنظمة والسياسات التي يصدرها. ومهمة كتابات العدل الثانية إعداد الوكالات للذين يراجعونها ويريدون تفويض غيرهم للقيام نيابة عنهم ببعض المهام التي يجوز التفويض فيها كالبيع والشراء والاستلام وغيرها، ولذا فإن مهمة كاتب العدل التأكد من شخصية الراغب في التوكيل وأهليته لذلك وكون المهمة مما يجوز التفويض فيه فإذا تأكد من ذلك وجب عليه إصدار التفويض. والقاعدة أن جميع الأعمال والأنشطة الموجودة في المملكة بترخيص من الحكومة هي من الأمور المباحة وليس من مهام كاتب العدل أن يجتهد ليحكم فيما إذا كان النشاط مباحاً أم لا ويجوز التفويض فيه أو لا يجوز طالما أن هذا النشاط موجود في المملكة بترخيص من الحكومة التي تتبعها وزارة العدل وكتابة العدل الثانية، فالمملكة بلد إسلامي، وحكومته مسلمة، ولا يمكن أن ترخص لأنشطة ليست مباحة. هذا ما يفترض أن يكون متبعاً في كتابات العدل الثانية، لكن ما يحصل أمر آخر مختلف عن ذلك، فكُتَّاب العدل – فيما يبدو – يُنصَّبون أنفسهم مفتين، وعندما يراجعهم راغب التفويض في أنشطة ومهام مرخص لها في المملكة لا يعتبرون أن كل نشاط رخصته الحكومة هو نشاط مباح يجوز التفويض فيه، بل يحتكمون إلى رأيهم وعلمهم فإذا وجدوا حسب اجتهادهم أن هذا النشاط غير مباح كما يعتقدون رفضوا إعطاء التفويض، وعندما يناقشهم الراغب في التفويض قائلاً: إن النشاط مرخص له من الحكومة التي أوجدت كتابة العدل لتخدم المواطنين من ممارسي هذا النشاط يصرون على رفضهم على اعتبار أن ما يرونه هو ما ينبغي الأخذ به وليس ما تراه الحكومة. لهذا فإن كتابات العدل الآن لا تقدم التفاويض لأي مواطن يرغب في توكيل غيره لممارسة الشراء أو البيع نيابة عنه في ما يتعلق بالبنوك أو شركات التأمين أو حتى الشركات الأخرى التي حرمها بعض (مشايخ سوق الأسهم) ومن أراد أن يحصل على التفويض فليتحايل سواء بالمسميات أو باستخدام الصيغ العامة التي لا يرد فيها ذكر للبنك أو الشركة إن استطاع أن يعثر على صيغة تؤدي الغرض، أما من يصر على طلب التفويض بلا تحايل ويلح ويحتج فل(يضرب رأسه في الحائط) ثم يخرج من كتابة العدل بلا تفويض، أما أين يذهب بعد ذلك، ومن هي الجهة البديلة، فليس هناك جهة يمكن أن يذهب إليها، ولا توجد جهة بديلة. ما معنى هذا..؟؟ معناه أن هناك خدمة بالغة الأهمية يحتاجها قطاع عريض من المواطنين، ولا توجد جهة يمكن أن تؤديها...؟ هل هذا معقول..؟؟ لا.. ولكن هذا هو الحاصل.. والجهة المعنية بتعديل الحال المايل التي هي مجلس الوزراء الذي ترتبط به وزارة العدل المسؤولة عن تلك الخدمة لا تفعل شيئاً وكأن شيئاً لم يحصل مع أن ما حصل هو أمر جلل بالغ الخطورة.. ملخصه أن جهة من الجهات التي أوجدها المجلس لتقديم الخدمة للناس ترفض ذلك (عياناً بياناً) و(بالفم المليان) والمجلس المعني الأول بحل مشاكل المواطنين لا يفعل شيئاً. من حق كاتب العدل كشخص أن يكون له رأي في الحلال والحرام خاصة إذا كان ممن لديهم إلمام بالعلم الشرعي، ولكن يفترض أن يكون رأيه هذا خاصاً به يطبقه على نفسه، أما بالنسبة لوظيفته الحكومية التي يأخذ من أجل تأدية مهامها راتباً فلابد أن يكون تعامله مع المواطنين وهو يؤديها فيما يتعلق بالحلال والحرام وفق المعمول به في البلد وليس وفق رأيه هو، ولو وجد أن لديه حرجاً في ذلك فالمفروض أن لا يمتنع عن أداء الخدمة لكونها غير مباحة في رأيه، بل عليه أن يترك العمل لشخص آخر لا يجد حرجاً في التمشي وفق ما هو معمول به في البلد وتقره حكومته، إذ ليس من حقه أن يطبق في وظيفته العامة ما يعتقده هو إذا كان معتقده مما لا تأخذ به الحكومة التي يعمل فيها. هذا هو المفروض، لكن كتاب العدل لا يفعلون ذلك، بل يمتنعون عن إصدار الوكالات لمحتاجيها احتجاجاً بعدم الإباحة اعتماداً على ما يعتقدونه هم وليس استناداً إلى ما هو معمول به في الحكومة التي يعملون فيها، والمفروض في تلك الحالة أن لا تترك هذه الحال المايل، فإما أن تُلزم وزارة العدل بتقديم الخدمة للناس وإعطائهم التفاويض المطلوبة لأي نشاط بحيث تعمد الوزارة كل كُتَّاب عدلها بعدم الامتناع عن إصدار الوكالات في أي نشاط موجود في المملكة والتعامل مع الرافضين بما يقضي به النظام مع من يمتنع عن أداء الخدمة، أو تتكرم الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء بإيجاد جهة قانونية أخرى غير كتابة العدل ولا تكون تابعة لوزارة العدل لتؤدي الخدمة المطلوبة لمن يحتاجها. الطريف في الأمر أن بعض كتابات العدل أوجدت صيغة اعتَقَدَت أنها مخرجاً لها ولمراجعيها، وهي إعداد الوكالة ولكن بأن يضاف لها عبارة (حسب الشريعة الإسلامية) وهذه الصيغة بالطبع غير قابلة للتنفيذ، لأنها تعطي الانطباع بأن هناك فيما تم التفويض به ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية وواجب منفذ التفويض أن يعرف هذا الشيء ويخرجه عن الأمور الأخرى التي تتمشى مع الشريعة الإسلامية، ولأن منفذي التفويضات ليسوا متخصصين في الشريعة ولا ينتظر منهم أن يستطيعوا تنفيذ مثل هذه التفاويض فإنها تصبح غير قابلة للتنفيذ. بصراحة.. ما يحصل من كتاب العدل أمر عجيب.. وتفسيره لا يخرج من احتمالين.. إما أن وزارة العدل لا تعتبر نفسها خاضعة لتوجيهات مجلس الوزراء.. أو أنها عاجزة عن توجيه كتاب العدل بما ينبغي عمله.. فما وجه الحقيقة فيما يحدث..؟ ولماذا لا يكون لمجلس الوزراء موقف حاسم في ذلك..؟ هل كُتَّاب العدل دولة داخل الدولة..؟؟