كان جيداً أن يخرج عدد من علماء المملكة العربية السعودية مستنكرين ما ورد على لسان الداعية محمد العريفي من وصف للسيستاني بأنه «زنديق وفاجر»، الأمر الذي جاء بعد جدل ديني وسياسي تدخل فيه كثيرون من بينهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (السيستاني إيراني ورفض الحصول على الجنسية العراقية عندما عرضت عليه بعد الاحتلال)، كما شمل ذلك استنكارا من طرف عدد من رموز الشيعة في المملكة وسواها. نقول كان جيدا، لأن الأوصاف التي تبناها العريفي تتجاوز الديني إلى الأخلاقي من جهة، كما أنها تصبّ الزيت على نار الفتنة من جهة أخرى، مع العلم أن توضيح الموقف العقدي يمكن أن يتم بطريقة أخرى. الأفضل بالطبع أن تتوقف هذه الهجمات المتبادلة بين السنّة والشيعة، الأمر الذي لا يبدو ممكنا في المدى القريب، ليس فقط بسبب شيوع الخطاب السلفي الذي يتبنى نهج التكفير بحق الشيعة، ولكن أيضا لأن الطرف الشيعي لا يتورع بدوره عن التكفير واستدعاء الثارات التاريخية، لأن منهجيته هي إثبات صحة روايته للتاريخ وللدين من خلال إثبات خطأ رواية السنّة. الأهم من ذلك بالطبع في أسباب استمرار الحشد المذهبي هو الشكوك المتبادلة بين النظام العربي الرسمي وإيران، ولو وقع التفاهم غدا أو بعد غد لتغير المشهد إلى حد كبير. ذكرتنا قصة العريفي مع السيستاني بمواقف الأخير بوصفه المرجع الأهم للشيعة، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من نصفهم يعتبرونه مرجع التقليد بالنسبة إليهم، بينما يحظى المراجع الآخرون بنسب متفاوتة من المقلدين، ربما كان أقلهم المرشد خامنئي الذي يرى كثيرون أنه حصل على المرجعية بسطوة السياسة، وقد كانت هذه القضية جزءا من الإشكال الذي وقع بين السيد فضل الله وبين حزب الله بعد إعلان الأول نفسه مرجع تقليد، في حين كان الحزب قد مال إلى مرجعية الخامنئي بسبب التبني الإيراني الرسمي، مع العلم أن بعض أعضاء الحزب، بل ربما كثير منهم، يقلدون فضل الله والسيستاني. ما نريد قوله هنا هو أن إدانة منطق التكفير بحق السيستاني على وجه التحديد يقتضي الحديث عن مواقف الرجل من أهل السنّة، وهي المواقف التي يتبناها تبعا لذلك ما لا يقل عن مئة مليون شيعي (قد تحاكيها مواقف الآخرين)، لاسيَّما أن التقليد عن الشيعة يعني في أكثر الأحيان تبني جميع مواقف المرجع، وليس كما هو حال السنّة الذين قد يأخذ أحدهم رأيا من شيخ في مسألة، ثم يتبنى رأيا لشيخ آخر في مسألة ثانية. في هذا السياق يرى صاحب كتاب «زبدة التفكير في رفض السبّ والتكفير»، وهو الشيخ علي الأمين، مفتي منطقة صور اللبنانية أن ما يقول به السيد «علي السيستاني والخميني بأن من لا يؤمن بإمامة علي (رضي الله عنه) بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) كافر، هو قول يجب ألا نسير عليه؛ لأن الأصل أن من وُجد فيه الإيمان بالله وبالرسول وبالآخرة فهو مسلم ومؤمن، أما الإيمان بالإمامة -وإن كان يُعد أصلا بمذهب- لكنه لا يجوز أن يكون طريقا لتكفير الآخرين». ويذهب الشيخ الأمين إلى أنه لا ينبغي للشيعي أن يقلد مرجعية شيعية كالسيستاني في أن الصحابة مرتدون؛ لأنهم أنكروا بيعة «علي» بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مضيفا أن قول السيستاني بأن الصحابة قد ارتدوا لأنهم لم يبايعوا عليا هو رأيه في موضوع من الموضوعات التي يجب عدم رجوع المقلدين إلى مقلدهم فيها، ويمكن أن تكون لهم وجهات نظرهم المغايرة فيها. المعضلة إذن هي أن الإيمان بالإمامة يُعد من أركان الإيمان والإسلام عند السيستاني ومراجع آخرين، ما يعني أن من لا يؤمنون بها، وهم عموم السنّة، كفار، الأمر الذي يسير عليه المقلدون، سواءً قالوا ذلك علنا أم آمنوا به وكتموه «تقية». من كنا ننقل عنه هو شيخ شيعي، كما أن السيد فضل الله، وهو مرجع تقليد أيضا، يرى أن الإيمان بالإمامة هو من أركان المذهب وليس من أركان الإسلام، بمعنى أن من لا يؤمن بها لا يكفر، وإن لم يكن «جعفريا». ما هو مطلوب من السيد السيستاني هو كلام واضح في رفض تكفير أبي بكر وعمر وعثمان من جهة، إضافة إلى تبني رأي فضل الله في أن الإيمان بالإمامة ليس من أركان الإيمان والإسلام، وإلا فإن المتشددين في الطرف الآخر سيجدون ما يبررون به تكفيرهم للشيعة، وإن كنا لا نتمنى أن يتبناه أحد، إيمانا منا بخطورة تكفير من يقول «لا إله إلا الله محمد رسول الله».