يقول القارئ الذي اكتفى أن يرمز لنفسه ب(تلميذك النجيب): «في السابق كنت أحب جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحب عملهم بحكم أنهم ذوو دين وعلم، وأكرر كلمة -في السابق- ما جعلني في الوقت الحالي أكرههم لموقف أحببت أن أذكره لكِ مع ثقتي في قوة صوتك ومنبرك الذي جعلني أكتب هذه الرسالة، مع تمنياتي منكِ بحمايتي وعدم ذكر التفاصيل، وذكر الفكرة من الموقف، خوفاً من أن يتسبب لي هذا بضرر بالغ معهم». وهنا أقول له، لا تخف يا أخي الكريم فلن يعرفوك، لأنك لست صاحب القصة الوحيدة، فهناك الآلاف غيرك ممن مروا بنفس الموقف. وعن نفسه يقول: «بحكم معرفتك بتراب هذا الوطن وقوانينه فإنه لا يحق لي كغير سعودي العمل في كثير من المجالات، ومع أني صغير السن إلا أني ملتزم في البحث عن لقمة العيش، لتكون سنداً لي ولأهلي، ولم أجد مجالاً يقبلني سوى العمل كبائع في أحد الأسواق». أكتفي بالنقل حفاظاً على سرية رسالة الأخ القارئ، مع العلم أن كل ما ذكره من تفاصيل لم تكن مفاجئة لي، حيث كان يعمل بائعاً في أحد الأسواق، وتم اعتقاله بعد الأذان وقبل الإقامة، وهذا أمر كثير ما نسمع عنه، وكثير ما نراه، حيث تعتبر فترة الصلاة رحمة بهؤلاء الموظفين خصوصاً مع عدم تفعيل قانون ساعات العمل والمتعارف عليها بثماني ساعات، إلا أن هؤلاء وغيرهم لا يتجرؤون أن يشكوا رب العمل الذي لا يتوانى في تشغيلهم لساعات قد تصل إلى اثنتي عشرة ساعة أو أكثر، لذا فإن هذا النوع من الموظفين، قد لا يجد وقتاً ليبل فيه ريقه الناشف بشربة الماء، إلا هذا الوقت الذي يفصل ما بين الأذان والإقامة، ولا يدري أن بلة الريق تلك قد تتسبب بجفاف ليوم أو أيام يقضيها كمجرم بين ردهات مبنى جهاز الهيئة، الغريب ما يحصل بعد هذا التحقيق، ولعلنا نعلم جميعاً أن هناك أناسا يعترفون على أنفسهم بارتكاب جريمة قتل لم يقترفوها رغبة في الخلاص، وهذا ما يحدث كثيراً سواء مع (تلميذي النجيب)، أو مع غيره، فبعد أن تقترب الحفلة من النهاية، يجد سلسلة طويلة من التهم، إما أن يُقر بها ويوافق ويقوم بالتوقيع ووضع البصمة عليها، أو يُدخل نفسه في جحيم ليس له نهاية! إننا أمام وضع خطير للغاية، وأجزم لو لم نتداركه فسيحصل هناك انفجار شبابي على ذلك الجهاز، هؤلاء الشباب الذين يشعرون بالقهر جراء التعامل الوحشي الذي يجدونه عندما يقعون فريسة في يد من لا يرحمهم، مازال صوت ذلك الشاب الذي اتصل بي قبل أشهر يبكي، يتردد على مسامعي وهو يقول: «إن كان هذا هو الإسلام فأنا كافر»، تحدثت معه في محاولة مني لسحب شيء من غضبه، فهو لم يتجاوز السابعة عشرة، اتهموه بالمعاكسة، وتم سحب هاتفه ومصادرة كل ما في سيارته من سيديهات، أتذكر صوته وهو يستغفر الله، بعد أن نبهته بأن ما حصل له بعيد كل البعد عن الله وتعاليمه، مازال صوت بكائه يدوي في أذني، مازالت تلك المشاهد لا تبرح ذاكرتي لشباب يُسحبون من الأسواق لأنهم يرتدون البناطيل، مازلت ارتعب خوفاً على كل الشباب أن يحفظهم الله من ساعة مظلمة قد لا يشعرون بنور الحياة بعدها، وبعد هذا كله مازال البعض يتساءل.. لماذا نكره الهيئة؟ كاتبة من السعودية [email protected]