«يعقوب» البنجلاديشي صاحب «البقالة» القريبة من منزلي، يمثل لي ولبقية الجيران موضع «فزعة» تم تخزين رقمه في خانة الاتصال السريع لأنه يعمل وفق شعار «اتصل نصل» وبمعيته على «الدباب» جميع طلباتك الاستهلاكية، مرددا: اللهم زد من دراهمهم وعجزهم. في يوم ارتفاع أسعار المشروبات الغازية، وضع يعقوب لافتة عريضة على بابه رسم فيها المنتج وبجانبه (1.5) ليقطع الطريق على كل معترض ومجادل بقوله «هذا ريال ونوس.. شيل أو خلي»، ويبدو لي أن الرابح الأكبر من عملية رفع الأسعار هم تجار التجزئة بواقع يصل إلى مكسب 40 في المائة من الصندوق الواحد، فضلا عن انتعاش نشاط «العلك» كبديل عن نصف الريال المتبقي، يعني واقعيا العلبة الواحدة بريالين لا ريال ونصف الريال. الشركات المصنعة للمشروبات في توضيحها للأسباب «تمن» علينا أن حافظت ثلاثين عاما على سعر منتجاتها، ولأننا حسب توضيحها أقل الدول تسعيرا للمنتج فلا مانع من هذه الزيادة الطفيفة، وماذا سيفرق نصف ريال عند المواطن السعودي، الذي سيقوده الحال إلى التكيف مع تلك الزيادة كما تكيف غصبا عليه مع زيادة غيرها من السلع الأساسية، مراهنين على أن المستهلك لن يشرب «الشاي» أثناء تناوله للشاورما، أو يدفع الضعف مقابل عصير طبيعي. بطبيعة الحال ارتفاع السعر ولد ردة فعل اجتماعية ومناداة المعترضين ب«خلوها تطيش» نكاية بالشركات، والطرح الصحافي اختلف بين مؤيد يطالب بزيادتها أكثر ليحجم الأطفال عن شرب ما يضرهم، ومعارض يجد في الحدث توضيحا لهشاشة قاعدة المستهلك، وأعتقد أن المسألة في نهايتها تدور بين قطبي المعادلة: وزارة التجارة التي لم نسمع لها تحركا في هذا الشأن على سبيل التوضيح لا الدعاية، والشركات المصنعة التي مضت في اتفاقها المبطن وأغلقت قبل الارتفاع مخازنها الكبرى دعما لشح المعروض، وبين قطبي الرحى يقع المستهلك المتتطبع بالسلوك الاجتماعي والغذائي السائد ينتظر النتيجة «طاش .. ما طاش؟». ولأنني من جيل نشأ محقونا بتلك المشروبات؛ صدقوني إن المسألة تتجاوز المقاطعة والحنق ومثالية المؤيدين إلى ثقافة البدائل المتاحة، فلن تشاهد شابا في مقهى ممسكا بعلبة «لبن» أو يحمل أكياس الشاي في جيب ثوبه، وإنما الحال المقلق هو انتعاش سوق مشروبات الطاقة سعرها يبدأ من ريالين طالما الفرق نصف ريال، وإلحاح الأطفال في الصباح الباكر على زيادة «الفسحة» تناغما مع موجة الارتفاع، والله يستر على «الطعمية» و«الشكشوكة» وقبل ذلك على «ريالنا» لا تصيبه حمى التضخم فيصبح مثل الهلل، نتداول فيها المناديل والعلوك.