السفير د. عبد الله الأشعل - الاقتصادية السعودية في اليوم الثالث من أيام التشريق الموافق 29/11/2009، أجرت سويسرا استفتاء على اقتراح تقدم به حزبان من اليمين المتطرف المعادي للأجانب منذ عام، ويقضي بمنع بناء مآذن لمساجد المسلمين في سويسرا وقد وافق على هذا الاقتراح نحو 58 في المائة في الاستفتاء مما يعني تعديل الدستور السويسري ليتضمن حظر بناء المآذن. هذا الإجراء يثير عدداً من الملاحظات: الأولى: هي أن الحظر يتم بالإجراء الدستوري وليس مجرد موقف شخصي من صحافي أو رسام كما حدث من قبل بالنسبة للإساءة إلى رموز المسلمين، ولكن الملاحظ أن موضوع المآذن قد بدأ في إطار حملة من اليمين الأوروبي وهي موجات متجددة تغذيها روافد عديدة وتشعلها مناسبات مختلفة. الملاحظة الثانية: هي أن المآذن بالنسبة للمساجد جزء هندسي، ولكنه يعلن عن وجود المسجد حتى يرتاده المسلمون، وإن كانت وظيفة المئذنة في المناداة على المصلين وإدخال الرهبة على قلوب الأعداء هي وظيفة تاريخية تجاوزتها العصور المختلفة، ولكن الذي نخشاه هو أن يتدرج العمل ضد المسجد فيبدأ بالمئذنة وينتهي إلى حظر الترخيص ببناء المسجد أصلاً. الملاحظة الثالثة: هي أن هذا الإجراء قد أنعش كل القوى اليمينية المتطرفة في أوروبا، فطالب اليمين في هولندا وبلجيكا بإجراء مماثل، بينما أبدت إعجابها في فرنسا وإيطاليا. وفي المقابل استنكر البابا هذا العمل الذي يشير إلى تراجع مساحة التسامح في أوروبا، بينما أدانت منظمة العفو الدولية هذا الإجراء لأنه ينطوي على تمييز فاحش ضد المسلمين دون غيرهم. الملاحظة الرابعة: لوحظ هدوء العالم الإسلامي، وربما تدرس مختلف الدوائر في العالم الإسلامي ما يجب عمله، وإن كانت منظمة المؤتمر الإسلامي قد بادرت إلى استنكار هذا العمل، ولذلك فإنه يجب أن نعالج أمرين، الأمر الأول، دلالة حظر المآذن وتداعياتها على أوضاع الجاليات الإسلامية في أوروبا. والأمر الثاني، يتعلق بطريقة التعامل مع هذه التطورات. وفيما يتعلق بدلالة هذا العمل، فهي واضحة فيما تضمنه بيان الاتحاد السويسري الذي استنكر نتيجة الاستفتاء وأكد أن رئاسة الاتحاد والأغلبية الساحقة في البرلمان رفضت هذا الاقتراح، ولكنه نبه إلى الدلالة الحقيقية لهذا الاستفتاء الذي يعكس مخاوف المجتمع السويسري من تنامي الظاهرة الإسلامية، وهو ماعبرت عنه صحيفة الموند الفرنسية الصادرة يوم 30/11/2009 في مقال بعنوان الجماعات الأوروبية ترتعد من ترسخ الإسلام في أوروبا، ويعيد المقال طرح السؤال الجوهري وهو هل ينسجم الإسلام مع مزاج المجتمعات الأوروبية، وحذر المقال من أن رفض المسلمين واستبعادهم والتمييز ضدهم هو المناخ المناسب لميلاد التطرف والانفجار، وأجرت الجريدة استفتاء مفتوحاً حيث أوضح أكثر من 60 في المائة ممن يعتبرون أن قرار حظر بناء المآذن تطبيق للديمقراطية، بينما أدلى أكثر من 30 في المائة بأن القرار يعكس عدم الشعور بالمسؤولية وأن 5 في المائة بلا رأي، وهذا هو الاتجاه العام في أوروبا. الملاحظة الخامسة: أن حظر بناء المآذن وإن كان تعبيراً عن موجة جديدة من اليمين الأوروبي ضد المسلمين، إلا أن الثابت أن الإسلام قديم في أوروبا منذ حضارة الأندلس. وأن الوجود الإسلامي حقيقة أوروبية، وأنه لامناص من تدخل الحكومات الإسلامية وتخلي أوروبا عن مخاوفها لكي يندمج المسلمون في مجتمعاتها.