هذه هي المرة الأولي التي أدلف فيها إلي عالم ماليزيا وهو عالم آسيوي بامتياز ، قدمت ورقة بعنوان " الأقليات في المنظور الإسلامي .. رؤية فقهية مقاصديه " وذلك في الندوة العالمية حول فقه الأقليات في ضوء مقاصد الشريعة " تميز واندماج " والتي عقدتها رابطة ا لعالم الإسلامي بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر والحضارة الإسلامية وقسم أصول الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة الماليزيه كوالالمبور . استمرت الندوة ثلاثة أيام متصلات ناقشت فيها مسائل نظرية وعملية عديدة ومتنوعة اغلبها متصل بالأقليات المسلمة في الغرب والعالم وقليل منها متصل بالأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي ، فكما أن المسلمين مهتمون بالأقليات المسلمة في العالم وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية المتصلة بالأحوال الشخصية والعبادات والتصرفات المالية وغيرها فهناك أيضا اهتمام بأوضاع غير المسلمين في العالم الإسلامي فهم جزء من اهتمام الشريعة ا لإسلامية والفقه الإسلامي ، ولا يوجد كتاب فقه في الشريعة الإسلامية إلا ويتعرض لأوضاع غير المسلمين وأحوالهم وترتيب أوضاعهم القانونية والاقتصادية والاجتماعية باعتبارهم جزء ً لا يتجزأ من دار الإسلام وعالمه الذي يعتبرهم مواطنين لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين . كانت الندوة فرصة لزيارة الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا وهي صرح ضخم يعبر عن عالمية الإسلام وأن المسلمين أمة واحدة فهناك طلبة من أفريقيا ومن آسيا ومن العالم العربي خاصة من فلسطين ، ومن كل بقاع الدنيا يتعلمون الفقه وأصوله والشريعة وقواعدها من منظور يجمع بين الأصالة والمعاصرة ، وبين الوحي والواقع وبين الفكر والممارسة ، وهناك فضلا عن ذلك بالجامعة الإسلامية الماليزية العالمية تخصصات في الطب والهندسة والعمارة والإليكترونيات وكافة التخصصات التي يحتاج إليها العمران البشري والقيام بالاستخلاف في الأرض ، وهؤلاء يتم إعدادهم أيضا في علوم الشريعة فلهم مقررات شرعية يتم امتحانهم فيها بالإضافة لتخصصاتهم ا لأصلية التقنية والطبية والتكنولوجية . فمن يمارس العلوم الحديثة في الطب والهندسة والتكنولوجيا والزراعة وغيرها يحتاج إلي أساس من الأخلاق ومن الرؤية الشرعية التي تساعده علي رؤية هذه التخصصات من منظورات حضارية تعبر عن واقع العالم ا لإسلامي وهذا قريبا من فكرة أسلمة المعرفة التي عكف عليها العديد من الرواد في فترة الثمانينيات والتسعينيات ثم خبت بسبب ما قيل أنه الحرب علي الإرهاب والتي عنت في كثير من أبعادها القضاء علي العديد من المشروعات الإسلامية الكبري التي تخدم الأمة ومنها مثلا العمل الخيري والوقفي والعمل العلمي الذي حاول أن يقول شيئا من منظور حضاري إسلامي مختلف عن ذلك الذي تقوله الحضارة الغربية . كنت أقيم في أحد فنادق قلب العاصمة الماليزية واسمه Renaissance أي عصر النهوض أو الإحياء كما عرفته الخبرة الغربية ولكنه بالنسبة لعالم ماليزيا يعني ذلك أيضا ، فنحن في عالم يجمع بامتياز بين ما قلت أنه عالم آسيا وقيمها العامة التي تجمع هذا العالم والتي تقوم علي التواضع وحب العمل والتفاني فيه والإخلاص له واحترام الكبير والأسرة ونزعة براجماتية وعملية واضحة في التعاطي مع شئون الحياة ، هذه القيم العامة امتزجت بالإسلام وتآلفت معه وتجادلت مع خصائصه التي تقوم أيضا علي إتقان العمل وحبه وتقوم علي احترام الكبير والأسرة والرعاية والتكافل ولكن من منظور خاص هو المنظور الإسلامي والديني ، فهنا ماليزيا تجمع بين تقاليد آسيا والإسلام في تناسق واتساق مذهل . خرجت لأتجول وأري ذلك العالم الجديد ، ولم أكد أخطو بضع خطوات حتي وجدت مركزا للسياحة لمبني يعود لأوائل القرن التاسع عشر وجري استخدامه عدة مرات في الحروب التي جرت في آسيا ومنها الحرب العالمية الثانية ، هذا المركز السياحي وجدته يعطيني ساعة كاملة للدخول علي الإنترنت بلا مقابل ويمكنني أن أزيد إن أردت ، ووجدت عددا من السياح من العالم كله يأتون إليه ، كما وجدت أنشطة ثقافية عديدة تعبر عن عالم ماليزيا التعددي الذي يجمع بين الملاويين والصينين والهنود وهو أحد معضلاته التي يجب أن يوازن فيها بين تلك الأجناس الثلاثة . لم أكد أصل بعيدا لقلب المدينة حتي وجدت هناك شارع نصع فيه اللسان العربي المبين ، إنه شارع العرب في ماليزيا ، ووجدت عربا من الخليج ولبنان ومصر يدرسون ويقيمون ويتاجرون ويسيحون ( من السياحة ) هم وأسرهم وأولادهم وبعضهم حقق نجاحات كبيرة هناك ، عالم ماليزيا يجمع بين القيم الآسيوية والإسلامية وبين الانفتاح الكبير علي المستوي الاقتصادي وعلي مستوي التجارة والسياحة والتعليم وعلي مستوي الأوراق المالية الإسلامية وغيرها والتي تحتكر ماليزيا منها عالميا أكثر من 80% وتقدر تلك الأوراق بمئات المليارات من الدولارات ، وأخيرا هناك الاستقرار تلك هي مفاتيح عالم ماليزيا الذي لا يزال مفتوحا أمامنا لمحاولة قرائته وتعريف العالم العربي به .