ياسر الزعاترة - المدينة السعودية لم يبق غير الدين ليبتذلوه في معارك الكرة، وما تنطوي عليه من إثارة للعصبيات وفي حين كان لبعض العلماء دورهم الإيجابي في لجم المشاعر البائسة والممارسات التي لا تقل بؤسا من تلك التي تابعناها خلال الأسبوعين الماضيين، فإن كثيرا من المواقف الأخرى كانت مثيرة إلى درجة تسيء للإسلام والمسلمين والعلماء والدعاة. كان لفريق من علماء السودان، وكذلك للعلامة الشيخ يوسف القرضاوي وآخرين من هنا وهناك مواقف يشكرون عليها في سياق تذكير أبناء الأمة بوحدتهم وبسخف انقسامهم على خلفية مباراة كروية كان لا بد من فوز طرف فيها وهزيمة آخر، لكن الفريق الآخر من العلماء والدعاة، ومعظمه للأسف من مصر، لم يكن موفقا في خطابه وسلوكه. لا ينفي ذلك أن ثمة أصواتا كبيرة وعاقلة خرجت من مصر، من مفكرين وعلماء تسخر من تلك الهبة الجماهيرية والرسمية، وتحيلها إلى محاولات لحرف بوصلة الناس عن قضاياهم الأساسية، لكن الأصوات الأخرى التي استخدمت الدين كانت من السخف بحيث لا تدع للمرء مجالا غير انتقادها والتذكير ببؤس خطابها. من تلك الأصوات ذلك الداعية الشهير الذي قال إن فوز «الفراعنة بهدفين نظيفين (لاحظ تعبير الفراعنة) على الخضر جاء استجابة لدعوات 89 مليون مصري». وأضاف (والحديث عن المباراة الأولى بالطبع) أنه «خطب الجمعة للمنتخب الوطني واجتمع بهم مع الكابتن حسن شحاته، المدير الفني للمنتخب، وأنهم تابوا جميعا إلى الله توبة نصوحا». وأوضح أن من « أجمل الألقاب التي أطلقت على الفريق القومي المصري أنه فريق الساجدين نظرا لأنهم ملتزمون أخلاقيا ودينيا»، مضيفا أنه اتفق مع المنتخب المصري على ترديد كلمة السر فى المباراة وهي «يا حي يا قيوم». بالله عليكم، هل لهذا الذي قرأنا صلة بروح ديننا العظيم؟ وماذا قال الداعية الكبير بعد هزيمة المنتخب في المباراة الثانية؟ هل عزا هزيمتهم إلى الكفّ عن السجود وقول «يا حي يا قيوم»؟ وهل كفّ ال 89 مليون مصري (طبعا يشمل الرقم الذي يبدو أكثر من الرقم الحقيقي من ولدوا يوم المباراة وقبلها بأيام وأسابيع وشهور، وحتى سنوات، ممن لم ينطقوا بعد ولم يعرفوا ماهية الدعاء ولا معارك الكرة)؟ هل كفّوا عن الدعاء في المباراة التالية، وماذا لو دعا الجزائريون على «عدوهم» أيضا، ومعهم عرب آخرون شجعوا ذات المنتخب لهذا الاعتبار أو ذاك؟! لماذا يُدخلون رب العالمين ويُبتذل دينه في قضية من هذا النوع، في وقت تخاض المعركة ضد فريق مسلم من بلد مسلم، مع أننا نؤمن أنه لو كانت المباراة ضد البرازيل لما نفعت دعوات صاحبنا أيضا، ولكانت الهزيمة أكبر على الأرجح؟! في الغرب يُهزم الفريق القومي، فيقال المدرب أو يستقيل، كما يُلام اللاعبون، وليس هذا لأنهم ملحدون، بل لأن ذلك هو المنطق الصحيح الذي يؤيده دين الإسلام الذي يأمر باتخاذ أسباب القوة الحقيقية ومحاسبة المخطئين والمقصرين. نقول ذلك رغم أن ما يعنينا في هذه القضية هو هذه القطرية النتنة التي فاحت روائحها من جنبات المعركة، والتي تورط فيها كتاب ومفكرون وعلماء ومشايخ، وليس فقط أناسا عاديين ربما كانوا يبحثون عن انتصار ما لبلدهم بالمعنى الذي يفهمونه. إنها تجربة مريرة من دون شك عشناها خلال الأسبوعين الماضيين، وينبغي أن تلفت انتباه العلماء والقوى الحية في الأمة إلى خطورة القطرية التي صنعها الاستعمار، وبالطبع كي يبذلوا الجهود الرامية إلى الاعتبار لمفهوم الوحدة؛ وحدة الأمة، إلى جانب حث الجماهير على الالتفات إلى القضايا الكبرى التي تعنيها، من مواجهة للفساد والإفساد في الداخل إلى مواجهة العدو الخارجي الذي لا يسره شيء قدر أن يرى أمّة مقسمة متناحرة.