تركي الدخيل - الوطن السعودية نتساءل أحياناً عن سر الانجذاب نحو كتب الرحّالة الذين يكتبون عن المجتمع السعودي في فترات تأسيس البلاد، ربما لأنهم يروننا بعيونهم المختلفة، الخضراء تارة، والحادة أحياناً، دون أن نغفل أن أحد أسباب هذا الانجذاب، أنهم أبدعوا في وصف المجتمع في حالات كثيرة. ربما يعود انجذابنا إلى كتاباتهم إلى رغبتنا في البحث عن ذواتنا من خلالهم، والغوص في تفاصيل شخصياتنا عبر رؤاهم. لكن مدوناتهم على ما فيها من جمال وتفاصيل تفتقر أحياناً إلى التنظيم. أثناء تصفحك لكتاب عمار السنجري "البدو بعيون غربية"، وهو كتاب ممتع لما يضمه من معلومات ونصوص عن المجتمع السعودي في فترة انقرضت، تقرأ ملامح التسامح الفطري في تلك الفترة، على الرغم من عدم وجود حالة تنظير حول التسامح والبراءة. لم يكن عالم التعقيد والشك هو عالمهم. كانت المرأة لها حظ وافر من الحضور الاجتماعي، كما لم تكن المرأة مجرد موضوع جنسي، بل كانت ركيزة اجتماعية. فالكتاب مثلاً، ينقل عن رحالة متعددين، تفاصيل عن رقص النساء، والزغاريد، والطبل والزمر، من دون أي شكوك، ذلك أن الشهامة -التي تربى عليها الإنسان السعودي قبل أن تدخل الكثير من العقد الاجتماعية وتنمو- كانت هي الحائل دون وقوع أي اعتداء على المرأة إلا من المنبوذين أخلاقياً، الذين كانوا يعرفون بأسمائهم ويتم التعامل معهم بصرامة. في الكتاب ينقل الكثير من المشاهدات الاجتماعية للرحالة والتي تدل على أن البراءة الفطرية كانت هي السائدة في مجتمعنا، ولو كُتب لرحالة أن يمتد عمره، ليسمع عن الأحداث التي تحصل اليوم في المجتمع لصعق من العنف الأسري، والجرائم، والسرقات، وحالات الاختطاف. هذا الانتشار لتلك الكوارث لا يعود إلى الغزو الفكري ولا إلى الفضائيات، وإنما إلى إهمال جماعي لأمراض اجتماعية تنمو، بسبب الانهيار النفسي الكبير الذي تشاهد أحد وجوهه في طريقة قيادة الناس لسياراتهم، وفي حالات العنف التي تحدث أمام المطاعم وفي المولات. إنها حالة غريبة تحتاج إلى مؤسسات تدرس هذا الخلل الفضيع. إعادة قراءة مجتمعنا الذي كان ينضح بساطة، وطيبة وتسامحاً، من خلال كتب الرحّالة الذين رصدوا عاداتنا ووثقوا مشاهداتهم عن مجتمعنا، في وقت كان الناس يبحثون عن كسرة الخبز، يمكن أن يساهم في معرفتنا للبوصلة المفقودة، بين الماضي، والحاضر، في سبيل مستقبل أفضل!