عبدالله صايل - الاقتصادية في مقال لتركي الدخيل، بالزميلة «الوطن»، ولا حاجة لي هنا لتسمية أرقام أعداد أو سرد تواريخ، ربما لاشتغال الدخيل بالكتابة في «الاقتصادية» قبل سنوات، واحتسابي أن هذا يشفع لزاويتي «ميانة» و»زمائلية» على تجاوز عثرة مهنية بشكل أو بآخر! كتب تركي في مقال بعنوان «إصرار محمد عبده!» ما نصه: «يروي الأخ الشقيق لمحمد عبده وهو أحمد أن محمداً كان قد ارتبط بحفل لصديق وكانت والدته حينها «زعلانة» منه، وكان بحاجة إلى ملابس مغسولة ومكويّة، فأخذ «الطشت» (إناء للغسيل) على رأسه متجهاً إلى بيت أخته، (رحمها الله)، لأن أخته حينها لم يكن لديها «الطشت» فذهب إليها وغسلت ثوبه وكوت غترته وذهب إلى الحفل»، ثم يكمل سارداً: « إن موقفاً كهذا ليدل على أن الإنسان العصامي الحقيقي هو الذي يخلق فرص نجاحه بعيداً عن المؤثرات والوساطات، أن يعرف جيداً حدود طموحه، وأن يعمل على صقل ما يحسنه من مهارات، ولقد استطاع هذا الفنان أن يكون فناناً للعرب بعد طول انكسارات وتحولات ارتبطت بالتاريخ الفني السعودي على مدى خمسين سنة». يعلم المولى أني حاولت أن أجد لقلمك عذراً في هذا، ولكني مضطر هنا أن أنقل رأي الشاب «دنقور»، ابن جارنا أبوعلي.. تعرفوه، وقد كلفني أن أبوح بسر مفاده أنه تعب في طفولته من حمل «الطشت» من بيتهم إلى بيتنا، ومع ذلك كبر وتعلم ليصبح ساكناً بالإيجار مدى الحياة! كما أنه صار أباً لأطفال خمسة وغالباً ما يقترض كي يسدد مستحقات مدارسهم الأهلية! هناك موهبتان يا أستاذ تركي قادرتان على صنع مساحة راسخة من السيادة على القلوب، الموهبة الغنائية والكروية، فهاتان الموهبتان قادرتان على تحويل الإنسان من حال إلى أحوال، وما وصل إليه فنان العرب مستحق بلا شك، على الأقل حسب رأيي، ولكن ليس بنقل «الأواني» وحدها يعتلي الإنسان! لقد كان هناك مناخ فني يبحث عن الموهبة ويعتز بها ويحتويها. إنها البدايات يا صديقي .. ولا يصح مقارنة «المبتدئ» بمنتهاه، فالمعادلة «صيرورة» من (أ) إلى (ب)! أعلم يقيناً ما يكنه الأخ تركي لأبو عبد الرحمن، ولا أدل على هذا من مهمة الإنقاذ الطارئة التي كلف نفسه بها لتضييق معطيات مأزق الحوار الشهير في برنامج «العرّاط» لل «إعلاقي» اللامع «شيشام».. ولكن هذا لا يمنع من مراجعة الذات في عبارة استهلالية مثل: « لا يمكن للنجاح الحقيقي أن ينضج إلا بعد تجارب مريرة وسقطات عديدة!»، فكم من مكافح سقط ولم يقم يا أبا عبد الله، ورجل له ما لك من حضور من الأفضل ألا يسوّق لما ذكرت وكأنه قناعة أو مسلّمة لا «جدل» فيها! ويختم أبو عبد الله قائلاً: «الحياة المملوءة بالفرش الوثيرة والحرير لن تجد فيها الكثير مما يستحق الكتابة، وحدها الحياة المليئة بالعرق والكد والتعب والركض واللهاث هي التي تستحق أن تكتب وتدون وتكون درساً لأجيال مقبلة». أقول ختاماً، اللورد بايرون، كمثال، كان لورداً ثرياً من النبلاء.. ومع ذلك ملأ الدنيا إبداعاً وشعراً لسبب بسيط، هو أنه لم يكذب على ذاته فيمتدحها أو يتحدث عن «فقر» ما عاد يعرفه أو تجربة «عشق» يدعي أنها لم تكتمل! كان الحديث «صدقاً» عن وجع الأثرياء والساسة وجموحهم... لنسميها اختزالاً: (أصالة العبقرية)!