بدرية البشر * الحياة اللندنية في الحادي عشر من أيار (مايو) 1960 ذهب الدكتور روك وصديقه للإدارة المختصة باعتماد العقار الجديد الذي اكتشفاه، وفي ذلك الوقت كانت هذه الإدارة تشكو من بيروقراطية سببها نقص الموظفين التي كان عليهم أن ينظروا في 4000 طلب إجازة عقار، وقد قابلهم طبيب نساء وولادة، وهو موظف غير متفرغ في الإدارة، لم يجد ما يجادلهم به غير تحفظات الكنيسة الكاثوليكية على هذا العقار، فما كان من روك غير أن قال: لا تبعني كنيستي أنا أولى بها. وحين تردد في إعطاء القرار وأجله، أمسكه روك من ياقته وقال احسم الأمر الآن. وفعلاً ظهر هذا العقار الذي اعتبر ثورة غيرت سطح العالم وتكوينه ومشكلاته. هذا العقار اسمه حبة منع الحمل. وهو العقار الذي أنقذ العالم من تكاثر عبثي يستهلك البشر، وأنقذ العلاقات بين الزوجين وأعطاهما مساحة من الوقت مبيناً علاقة إنسانية خارج إطار الغريزة، وتحويل المنزل إلى حظيرة لتربية أفواه جائعة، تذكر بالفيلم المصري الشهير «أفواه وأرانب» الذي صور بالفعل بؤس أسرة فقيرة تتراكم فيها الأفواه الجائعة، بين أب سكير وأم منهكة صحياً من كثرة الولادات. حرموا من التعليم بسبب الفقر، وخرج بعضهم في سن صغيرة للعمل، فضلَّ طريقه بسبب جهله وقله خبرته وحاجته. حين ظهر هذا العقار في أميركا قابلته احتجاجات من الجانب الديني والأخلاقي والاجتماعي، لكنه اليوم لم يعد محل حديث، بينما ظل في بعض الطبقات والمجتمعات يخضع لتفسيرات وأهواء ومصالح يصدقها أكثر الطبقات فقراً وجهلاً. تأمل كيف تنظر معظم النساء العربيات إلى مسألة الإنجاب وعدد الأطفال، ستجد أنها أمران: إما أنها تنظر إليهم كألعاب تفرح قلبها، وتوسع صدرها، أو أنهم أسهمٌ يمكن استثمارها إما في ربط الزوج وردعه عن التفكير في ترك البيت والزوجة، ولكي يعتنوا بها عند كبرها. ولا يفهم المرء لماذا يحتاج الإنسان إلى سبعة أو ثمانية أطفال ليعتنوا به حين يكبر. ومع الوقت أصبحت هذه النظريات الاجتماعية الأمية تتوارى خلف خطاب إسلامي مضلل يقول تكاثروا فإني مكاثر بكم الأمم، من دون فهم معنى التكاثر وعلاقته بالجودة ومعايير العصر، فالخادمة المصرية أو الهندية التي تنجب سبعة من الأطفال يتعثرون في المجتمع ويزودوه بسلوكيات منحرفة، ليس مثل متعلمة في الغرب تنجب اثنين واحد منهم يصبح رائد فضاء، والآخر يقف في طابور الاكتشافات والاختراعات كما فعل الدكتور روك. هذه المفاهيم التي لا يناقشها أحد ولا يجرؤ على طرحها تنبئ بأننا ابتعدنا عن قضايانا الحقيقية التي تمس تركيبتنا وأمننا النفسي والعائلي والاقتصادي مثل تنظيم الأسرة، وتطوير التعليم، والتصدي للمشكلات الاقتصادية كالبطالة، وقلة مصادر الدخل، وتقنين التشريعات بحقوق المواطنين. أصبحت عناوين الجدل القائم في حياتنا الحجاب والاختلاط ومداهمات «الهيئة»، فهل هذه حقاً هي قضايا مجتمع لديه مشروع تنمية؟ أم أنها ثرثرة مجالس وصالونات لجماعة من الأميين؟