يسوؤني حال أولئك الذين لا يكفون عن ندب حظهم بسبب الشعور بأنهم لم ينالوا المنزلة التي يشعرون أنهم يستحقونها، ولم تتحقق لهم الأحلام الوردية التي حلموا بها يوما, فأولئك الناس قتل نشاطهم واستهلك كل طاقتهم النظر للجزء الفارغ من الكأس ولو تأملوا نصفه السفلي لوجدوا الحياة كلها فيه. لا بد أن تكون لدينا القدرة الكافية للشعور بالعرفان والشكران للحياة على ما تبذله لنا, وأن يكف كل واحد منا عن الشعور بأنه ضحية, محاولة لعب دور الضحية هو نوع من الأمراض النفسية المعروفة, ليس هناك قضايا خاسرة, كل واحد منا كان هناك, ثم صار هنا, فعل أشياء جيدة وأخرى سيئة, وقد يعاني من نقاط ضعف, قد يكون هناك معاناة ما, لكن لا بد أن يتذكر الإنسان أنه ما زال واقفاً و الأمور جيدة ولا بد من الابتعاد عن مجرى الشفقة على الذات والذي يسبح فيه كثيرون, لأن الشفقة على الذات في حقيقتها ليست سوى عذر للإنسان لكي يتمدد ولا يصنع شيئاً, هناك جاذبية في التعاطف الذاتي مع الذات بحيث تصور لها نرجسيتها أن بيت الشعر "أضاعوني وأي فتى أضاعوا" تنطبق عليها قبل انطباقها على القائل الأول, هي نوع من استجداء لتأكيد الاختيار بأن لا يحرك الإنسان شيئاً ولا يفعل شيئاً , ما يمنح الإنسان القوة الروحية والدعم المعنوي الذاتي يكمن في الاستفادة من كل تجربة حياتية والتحول الصامت المتصاعد إلى أعلى, نحو آفاق جديدة وروح وثابة. ما رأيت شيئاً يطرد الكآبة ( مرض العصر) مثل المشي و الحركة وكأن العافية مرتبطة بالجسد لا الذهن, فإن أرهقت الجسد بما فيه الكفاية وأنت تطلب الرزق على طريقة الشاعر الكبير بندر بن سرور وهو يقول ( وأنا كل ديرة جيتها و أدرك الأسباب +++ أدور نصيب بذ رجلي بتدويره) فإنك ستشعر بالراحة العميقة عندما تخلد إلى سريرك لأن الإجهاد الجسدي لن يسمح لذهنك إلا أن يكون محضر خير وستستمتع بأقل ما تجد, أما قلة الحركة التي تفتح الدنيا باتساع لطغيان الحالة الذهنية على الإنسان فلا تقوده إلا إلى البؤس.