تدخل المملكة العربية السعودية اليوم وهي تحيي الذكرى التاسعة والسبعين لعيدها الوطني عصرا جديدا يمكن ان نطلق عليه عصر العلم والتكنولوجيا الحديثة, وهي ترفل بثوب من النهضة التي تجعلها فعلا القوة العلمية والاقتصادية الرائدة في حركة التحديث المعاصرة التي يحتاجها العالمان العربي والاسلامي, وذلك بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية, وهي الجامعة التي كانت حلم العاهل السعودي منذ ربع قرن حين كان وليا للعهد. يفتتح هذا الصرح العلمي الكبير بحضور ثلاثة آلاف مدعو بينهم عدد كبير من قادة دول العالم في تظاهرة علمية تدل على مدى القدرة السعودية في اجتراح المعجزات, فهذه الجامعة تمثل ثورة في المجال التعليمي تضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة التي تولي الابحاث العلمية والعلوم الاختبارية والتطبيقية اهتماما خاصا, بما يساعد السعودية على ان تدخل نادي الدول المتقدمة على كل الاصعدة العلمية والاقتصادية والتقنية ويسهم في تنويع مصادر الدخل ويفتح افاقا معرفية امام المواهب المبدعة والمتفوقة. يا خادم الحرمين... ها أنتم تفتتحون اليوم, عبر افتتاح اكبر صرح علمي في الشرق الاوسط, مستقبلا اكثر اشراقا في الحركة العلمية العربية والاسلامية, وهو هدية الى الاجيال السعودية والعربية والاسلامية, اذ منها تنهل الامة علما متقدما مواكبة به حركة العصر, وهي حلم سعيتم الى تحقيقه فكان ذلك, وكان الهبة الانسانية الرائعة وحجرا جديدا في الصرح التنموي الذي دأبتم جلالتكم على بنائه منذ دلفتم الى الحكم بخطى العصرنة والعدل والسلام والمحبة, واصبحت منارات هادية, ليس للشعب السعودي فقط بل للامتين العربية والاسلامية, وكانت محل اعجاب واكبار من كل دول العالم التي خيل لها ولوهلة ان هذا العالم لا ينتج الا الارهاب والتخلف, فكنتم انتم البارقة الهادية الى الطريق الحقيقي للانسانية الاسلامية والحكمة العربية. لقد تحدثتم فيما سبق عن الاسلام بوسطيته, وجعلتم من هذا المثال قدوة للعالم اجمع في التعاطي مع الدين الحنيف من موقعه الحقيقي, وذلك عبر مبادرتكم الجريئة في حوار الاديان التي كانت المحرك الاول لعهد جديد في العالم من حيث ترسيخ الفهم الحقيقي للاسلام في جوهره الانساني الجامع, لقد تحولت هذه المبادرة الى نبراس تهتدي به العقول في العالم اجمع في قدح الزناد من اجل اعادة اكتشاف هذا الدين العظيم, وجعلتم نصب عينيكم استقرار المملكة وامنها هدفا في مسيرة التقدم والازدهار, ولقد حققتم ذلك بكل ما يمكن ان يجعل التعاطي مع القضايا الداخلية امثولة للدول في المعالجات الحكيمة والهادئة للمشكلات المعقدة. لقد حللتم بركة على المملكة والعالم العربي, فمنذ توليكم مقاليد الحكم بدأت المبادرات الانسانية والحكيمة في المجالين الاقتصادي والسياسي, تنهال على العرب الذين اعتقد الكثير منهم, ولفترة من الوقت, ان الزمن العربي دخل مرحلة العقم, لكن كانت مبادرتكم في قمة الكويت الاقتصادية بداية لعهد عربي جديد, وكانت حكمة العصر الحالي التي عبرها يستطيع العالم العربي ان يصل الى بر الامان اذا وضعها الجميع نصب اعينهم, وعملوا من وحي ما تضمنه خطابكم وقتذاك من عبر وحكم وكنتم القدوة في التسامح والمحبة. ان جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي نشهد اليوم بزوغ فجرها تشرق على هذه الامة في زمن قلت فيه المبادرات العلمية, وتوهم الكثير ان الازمة الاقتصادية العالمية ضربت المملكة في مقتل, فجاء هذا الافتتاح ليؤكد ان تلك الازمة ليست الا سحابة صيف مرت في سماء الحركة الاقتصادية, وان المملكة الراسخة الجذور تستطيع التغلب على اصعب المحن من دون ان يخل ذلك في حركتها التنموية ونهضتها, لقد اضاف هذا الصرح بالاضافة الى المدن الاقتصادية التي انشئت او تلك التي وضع حجر اساسها اخيرا, امثلة جديدة على ان الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو سيد عصره في الحكمة والادارة الحديثة لزمام الامور, وانكم القدوة التي منها يمكن لحكماء الامة ان يستشرفوا المستقبل المشرق اذا وظفوا امكانيات اوطانهم لخدمة شعوبهم. في هذا اليوم المشهود ليس في تاريخ المملكة فقط انما في التاريخين العربي والاسلامي تمضون جلالتكم في مسيرة البناء بكل عزم وتأكيد أن تبقى السعودية المرشد الاكبر للرخاء والعدل والامن والعمل والعلم الحديث المبني على رؤية ثاقبة الى المستقبل والتغلب على تحدياته بكل الاصرار والمثابرة, ولذلك نحتفل اليوم معكم باليوم الوطني ومن كل قلوبنا المملوءة بالحب نقول باراك الله خطاكم وبيض وجهكم كما بيضتم وجه الامتين العربية والاسلامية.