المملكة تحوي رقماً كبيراً من المفكرين والمثقفين الكبار في كل العلوم الإنسانية والذين لم يخدموا إعلامياً بالقدر الذي يستحقونه, لكن هذه الحقيقة يتم تجاهلها في طول وعرض عالمنا العربي ويراد لنا أن نحبس في كاريكاتير راعي الناقة الذي يجلس بجوار بئر بترول, هذا ما نستشعره في كثير من المناسبات عند أدنى تواصل مع إخواننا العرب, هناك دائماً من يشعرك بأنك قد جئت لكي تستفيد لا لتفيد, هناك دائماً ما يشعرك بنقص في الاحترام غير مبرر. اسمحوا لي أن أحكي قصة شخصية,في الشهر المنصرم وجهت لي مكتبة الإسكندرية دعوة موسومة بتوقيع مدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين لحضور مؤتمر "آليات الرقابة وحرية التعبير في الوطن العربي" والذي عقد في مكتبة الإسكندرية في الفترة ما بين 12 يوليو و13 يوليو,تذكرتها اليوم وأنا أتابع إعادة لتغطيته على قناة الحياة. لأنني مهتم بقضية حرية التعبير وحريص على سماع الشهادات حولها من مختلف بقاع العالم العربي, ولمكانة مكتبة الإسكندرية العريقة بتاريخها الطويل في ميدان الثقافة وبث العلم، وافقت, ثم دخلت في التفاصيل مع منسقة المؤتمر حول إرسال صورة الجواز لكي يتم حجز الطيران والفندق، أرسلت كل الأوراق المطلوبة في حينه ثم فوجئت باتصال منسقة المؤتمر التي أخبرتني أن هناك إشكالية في الحجز من الرياض للإسكندرية بسبب الصيف وكثرة المسافرين وأنه قد تم الحجز لي من جده للإسكندرية فقط, فقلت للمنسقة إن المسافة من الرياض إلى جدة أبعد بكثير من جدة للإسكندرية, أما كان من المفترض أن يتم الحجز من الرياضلجدة قبل حصول ذلك التواصل؟! فكرت بعد تلك المكالمة أن أقوم بالحجز لنفسي إلى جدة وتكون فرصة لرؤية الأقارب والأصدقاء الذين طال بيننا وبينهم العهد, ثم الطيران لمكتبة الإسكندرية، لكنني توقفت, توقفت لأنه كان لا بد أن أفهم لماذا لم يتم الاهتمام بهذه الجزئية من قبل الجهة الداعية؟ هل الإشكالية تكمن في جزئية أن هذا سعودي والسعوديون مقتدرون مادياً (وهذا صحيح والحمد لله) ولن يضر الواحد منهم أن يدفع لحضور مؤتمر مفيد؟ هل السبب هو أننا ما زلنا ننتظر من إخواننا في العالم العربي "الاعتراف" بالمثقف السعودي مما جعل الآخر يتمنع في إعطاء هذا الاعتراف؟ عندما تدعو المملكة المثقفين العرب لحضور مهرجاناتها ومؤتمراتها, فالكل يعلم كم تكون كريمة في تعاملها, مضيافة في استقبالها, سخية في عطائها, حتى مع الحالات الشاذة لبعض المثقفين العرب الذين يشترطون رقماً معيناً من المال قبل الموافقة على القدوم لبلادنا, فلماذا نقبل نحن أبناءها بأقل حدود الاحترام؟!! لهذه الأسباب اعتذرت عن الحضور.