لقد طرحت أحداث العنف في اقليم شينجيانج في غرب الصين حالة المسلمين بقوة علي بساط البحث السياسي والمتابعة الاعلامية، ونقدم تحليلا لهذه الحالة مالها وما عليها من واقع خبرتي المباشرة ومتابعتي العلمية والاكاديمية. لقد اقامت مصر عبدالناصر اول علاقة دبلوماسية مع الصين في 03 مايو 6591 وكانت بذلك اول دولة عربية وافريقية ومن اوائل الدول علي المستوي العالمي للاعتراف بالصين الشعبية. ونشأت علاقة خاصة بين الدولتين تعززت في عهد الرئيس حسني مبارك الذي زار الصين ثماني مرات كما زارمصر جميع قادة الصين ما عدا ماوتسي نونج، ودنج سياوبنج، فرؤساء الصين المعاصرة ورؤساء وزرائها زاروا مصر من الدبلوماسي والسياسي المحنك شوان لاي حتي الرئيس خوجنتاو. ورغم امتداد هذه العلاقة وما يسودها من مودة فان موضوع المسلمين في الصين لم يطرح مطلقا علي بساط البحث السياسي استنادا الي ثلاثة أمور: الاول: ان احد الدوافع لاقامة علاقات مع الصين كان وجود ما يقرب من »02 مليونا« منذ عام 4591 ولم يزد هذا العدد حسب الاحصاءات الصينية، في حين ان هذا ضد المنطق الطبيعي في نمو السكان حتي في الصين ذاتها التي كان عدد سكانها في عام 4591 لا يزد عن 006 مليون نسمة اصبحوا الان اكثر من الضعف. ومن ثم فمن الطبيعي ان يتضاعف عدد المسلمين علي الاقل ولا ندري بدقة ما هو عدد المسلمين وان تفاوتت التقديرات الغريبة في هذا الصدد. الثاني: ان المسلمين في الصين شأن داخلي وهذا مبدأ دولي معترف به ولكن يرد عليه قيدان ان اية اقلية في اية دولة لم تعد شأنا داخليا كاملا لان هناك الحد الادني من الحريات وحقوق الانسان واي افتئات عليها يمثل خروجا علي المباديء الدولية والمواثيق الخاصة بحقوق الانسان، والقيد الثاني ان مبدأ التدخل في الشئون الداخلية في تراجع لصالح مبدأ التدخل الانساني لوقف الانتهاكات الجسيمة ضد اية اقلية عرقية او دينية وهذا ما حدث في العراق وفي البوسنة وغيرهما. الثالث: ان هناك ما يسمي بالحقوق التضامنية فالدول الاوروبية المسيحية تحتج اذا جري افتئات علي حقوق اقلية مسيحية في الصين كما حدث في تدخلها واحتجاجها ضد منع الانجيل وتوزيعه اثناء الدورة الاوليمبية او في اضطرابات التبت وايواء الهند الزعيم الروحي للتبت منذ فراره من الصين عام 9591 وغير ذلك من الاحداث وينبغي ان نشير هنا الي ان ثمة تعاطفا مع الصين وشعبها باعتبارها دولة صديقة وثمة ابتعادا عن اثارة قضايا ذات حساسية خاصة مثل قضايا المسلمين في الصين وذلك في ضوء الثوابت التالية: الاول: ان الدول العربية والاسلامية لا توافق علي مبدأ الارهاب الذي تقوم به جماعات متطرفة ايا كانت انتماءات او ديانات هذه الجماعات وايا كانت الدولة التي تقع فيها مثل هذه الاعمال. الثاني: ان الصين بها قدر لا بأس به من الحرية الدينية وان هذه يتمتع بها المسلمون والمسيحيون والبوذيون علي حد سواء وبنفس القدر ومن ثم فلا يوجد ما يوحي بوجود تمييز ضد المسلمين بحكم ديانتهم. الثالث: ان الصين تقوم علي العقيدة الشيوعية وهذه ترفض مفهوم الدين من حيث المبدأ باعتباره كما قال كارل ماركس افيون الشعوب، ولهذا ففي ظل السيطرة الايديولوجية في عهد ماوتسي تونج منعت المساجد والكنائس والمعابد البوذية بلا تمييز واعتبر الدين شأنا فرديا لا جماعيا ولا مجتمعيا، ولكن عادت الحرية الدينية بالتدريج مع سياسة الاصلاح والانفتاح. الرابع: ان اقليم شينجيانج به اغلبية مسلمة ومعظمها ينتمي الي قومية اليوجور وهي قومية من اصول تركية، وينبغي ان نتذكر ان هذه القومية اكبر ممثل لها الان هو تركيا الحالية وان الاصول التركية من اسيا الوسطي وان معظم اسيا الوسطي لعبت في الماضي دورا رئيسيا في الحضارة الاسلامية وينتمي اليها ابرز مفكري الاسلام ومنهم الامام البخاري والامام ابو حامد الغزالي علي سبيل المثال. هذا يعني ان اهتمام الدول العربية والاسلامية باحوال المسلمين في الصين وبخاصة في شينجيانج ليس بلا مبرر بل له منطق التعاطف الديني اعتمادا علي مبدأ اسلامي اصيل ان المسلمين امة واحدة وهذا لا يعني ان يصبحوا دولة واحدة كما لا يعني التدخل في شئون الدول الاخري، وانما يعني المساندة عند الحاجة ماديا وفكريا وسياسيا ووجدانيا، وهذا هو مفهوم الأمة والذي يختلف عن مفهوم الدولة. وأود ان اذكر واقعة مهمة حدثت لي اثناء عملي سفيرا لمصر في الصين وهي قيام الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف بزيارة الصين وعدم فهم بعض الاصدقاء الصينيين لوضع مصر الديني ولا مكانة الدكتور زقزوق كوزير للاوقاف ومسئوليته باعتبار ان مصر بلد الازهر الشريف.. ولذا لم يضمنوا جدول الزيارة لقاء مع المسلمين في بكين في حين رتبوا زيارة اقليم شينجيانج كما لو كانت زيارة سياحية واعترضت علي ذلك بشدة حتي هددت بالغاء زيارة الوزير بعد وصوله بالفعل، وأوضحت لمن لا يعرف مكانة مصر الاسلامية انها بلد الازهر والفكر الديني العقلاني المعتدل، وان الاسلام في جوهره الاصيل يدعو المواطنين لاحترام دولهم وابداء الولاء لها، ولا يتدخل في الشئون السياسية للدول الاخري، ولا يدعو للارهاب او التطرف، وبعد مناقشات عميقة وحادة وجادة وافق الصينيون علي وجهة نظري وبعد ان القي الدكتور حمدي زقزوق خطابا بليغا واسلاميا رائعا في مسجد بكين الكبير، وبعد زيارته للمسلمين في شينجيانج قدم الصينيون علي مستوي كبار السياسيين الشكر له، ولي كسفير لمصر، بلد الدين الاسلامي والازهر والعقلانية والاعتدال. من هنا فانني اتوجه بدعوة ثلاثية: الاولي للازهر الشريف لتنشيط دوره الاسلامي في مختلف بقاع العالم وفي مقدمتها الصين، والثانية للصين علي مستوي القيادة السياسية بعدم الوقوع في فخ المعالجة الامنية للاضطرابات في شينجيانج ومعالجة المشكلة كقضية اجتماعية واقتصادية في اطار مبدأ سيادة الدولة واحترام حقوق الانسان وحقوق الاقليات وفقا للدستور والقانون في الصين، وعدم الخلط بين قلة متطرفة وصغيرة وبين شعب اليوجور المسلم او غيره من القوميات العشر في الصين التي تدين بدين الاسلام. فالارهاب والعنف ليس من الاسلام الذي هو دين السلام، والشق الثالث من دعوتي هذه للمسلمين في شينجيانج بعدم الوقوع في الفخاخ المنصوبة لهم والانزلاق في اخطاء شعوب واقليات في مناطق اخري والايمان بوحدة الصين وحمايتها ورفض فكر الاقلية المحدودة بالتطرف او التفكير بالانفصال عن الصين الدولة الكبري والصديقة للعرب والمسلمين وايضا عدم الانزلاق في دعوات سياسيين من دول اسلامية لاغراض الدعاية الانتمائية واكتساب الشعبية في الانتخابات، فحقوق المسلمين في الدول غير الاسلامية اكبر من المزايدة الانتمائية وكفي العرب الكثير من المزايدات التي أضاعت الكثير من الحقوق.