حين تستمع أو تقرأ لبعض الكتبة والمحللين، تخال أنك أمام قاض عادل، أو مصلح اجتماعي يحترق من أجل إضاءة مجتمعه، وحين تقترب أكثر، تتبين لك الندوب والتشوّهات في وجوه طرحه، فقد تطالعه في مقالة وهو ينادي بتتبع حالات الابتزاز، وأخرى عن مغازلات الشباب، وبعد هنيهة تقرأ له مقالاً يقدح في عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي المعنية بمكافحة هذا وذاك، فتجده يدعو إلى التقليل من مراكزها، بل ودمجها في جهاز آخر لتذويبها، ويضخم أخطاء أفراد منها، ويحجّم إنجازاتها، ويلمز رجالاتها، ويلصق بها التهم الجائرة، ويقربها من أي نار تشتعل هنا وهناك؛ ليبرئ الجميع ويجرمها، وكأن وجودها أصبح يمثل عدم وجود له، أو تهديداً لرغباته على الأقل!! وليس غريباً أن نرى بعضهم في يوم من الأيام في مواجهة حقيقية مع بعض رجالها في موقف غير مرضٍ، في أي موقع كان!! إن جهاز الهيئة كأي جهاز حكومي آخر يقوم بواجبه، وقد يصيب وقد يخطئ، وصوابه أكثر من خطئه، كما تفضل بذلك مسؤول الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف -نصره الله كما نصرها- ولكن هذا الجهاز في الزمن الحاضر يحتاج حقاً إلى وقفة ليشحذ المنشار قبل أن يواصل طريقه التي بدأت منذ عقود متطاولة، سدّد الله الخطا، وبارك في الجهود. ولذلك فقد أعجبني كثيراً أن تقوم رئاسة الهيئة بخطوات رائدة في تأسيس حاضر ومستقبل ثابت الخطوات، قوي اللبنات، ناضج التوجهات، بإطلاق مشروع الخطة الإستراتيجية، وتوسيع مشاركة ذوي العلاقة والقطاعات المعنية بعمل هذا الجهاز الأمني الشرعي العريق، والاستفادة من خبرات ومرئيات الشركاء، على أني أرى أن كل فرد في هذا المجتمع هو شريك حقيقي للهيئة، ولكل أجهزة الأمن الأخرى، فإن عيون منسوبيها محدودة، وقد تغفل عما هو قريب منها بطبيعة البشر، ولكن حين نفتح عيوننا معها، فإن ملايين العيون سوف تنضم إلى تلك الأعين الساهرة، لا مسّتها النار. وحين نتغاضى عن مجرم عرض، ولص نظر، ومصنع كأس، فقد تمتد النار إلى بيوتنا، لا قدر الله، وحين نساهم ولو بالبلاغ النقي، الذي لا يستهدف هتك عورة امرئ مسلم، ولا التشهير به، ولكن يستهدف حمايته من الوقوع في الإثم، وستراً لعرض أخت مسلمة غُرّر بها، فإن الله الجليل كريم ستير، سيقابل سترنا بستره، وأين سترنا من ستره؟!! (وهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان). ويكفي أن نعلم بأن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضبطت عام 1428ه فقط: (34,826) قضية في مخالفات الأخلاق فقط. [التقرير السنوي لإنجازات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال العام المالي 1427-1428ه]. هذا عدا آلاف القضايا الأخرى، فلو لم يكن لها سوى هذا العمل، لعدت من أهم مؤسسات الدولة، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، كما قال الشاعر. وإني ولا أزكي أحداً على الله لا أظن أن جهازاً يقوى على هذه المنجزات الألفية، لو كان يعمل بطاقته المتواضعة، والتي لا تزال تحتاج إلى دعم وزيادة في الوظائف، وتدريب، وتعزيز، لكنه الإخلاص وحب الخير. لقد عرفت الهيئة في الوقت الراهن أن البناء المؤسسي على أسس علمية، والاستفادة من خبرات الآخرين هو الذي يأخذ بيدها في موج كالجبال من الأخلاقيات المنحرفة، التي تدفعها الشبهات والشهوات إلى سطح مجتمعنا دفعاً!! كانت المغازلات والخلوات المحرمة والخمور وارتكاب الجرائم محدودة جداً، ولا تكاد تُذكر، فانفجر الفضاء وشاشات النت بملايين المواقع والقنوات، فرخصت القيم في نفوس أدمنت على المشاهدة والتواصل المحرم، فتزايدت الاعتداءات على المحارم، ودُخِلت البيوت من غير أبوابها، وارتفعت أرقام الخيانات الزوجية، وزنا المحارم، وكل يوم تفاجئنا الصحف باكتشاف مصنع للخمور يوزع آلاف القوارير القذرة، ولا أدري على من؟؟ وماذا لو لم تُحارب!! ما الذي يمكن أن يحدث؟!!