في لقاء وزير العدل الدكتور محمد العيسى الذي جمعه بالمحامين السعوديين في غرفة جدة يوم الثلاثاء الماضي تمت الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية، فقد تحدث معالي الوزير عن تدني الرصيد الحقوقي لدى الناس وضرورة الاعتناء بنشر الثقافة العدلية التي تصب في الثقافة الحقوقية, وما ذكره الوزير هو واقع أكثر الناس في بلادنا مع الأسف الشديد, ما هي حقوقي أمام رجل الأمن؟ ما هي حقوقي أمام رئيسي في العمل؟ ما حق المرأة على زوجها؟ ما هي حقوق الطفل؟ هناك جهل كبير بهذا, ابتداء من المواطن الذي يوقفه رجل المرور في الشارع بعبارة "وقّف يا كابرس واحضر الرخصة والاستمارة وتعال" ليأتي مهرولاً فيقف في حر الشمس بينما يجلس رجل المرور في السيارة مستمتعاً برفاهية التكييف, مروراً بالمرأة التي تخرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها وقد قالوا له: "لو كانت ذبيحة ما عشتك" أي أنك أيها الزوج كالضيف الذي حل عندنا وهي كالذبيحة التي نذبحها إكراماً لك، وتعريجاً على الطلبة الذين أرى آباءهم بين حين وآخر في المدرسة وهم يقولون عن فلذات أكبادهم "لكم اللحم ولنا العظم" بمعنى أدبوه بالضرب كيفما شئتم فلن نعترض. في هكذا ثقافة وهكذا محيط يبرر الظلم والاستبداد ويسوغه بطريقة فريدة، بالتأكيد ستضيع الحقوق, فلا تلك المرأة ستعرف حقوقها في العيش المشترك الكريم مع ذلك الرجل الذي ينظر إليها على أنها "ذبيحة" ولا ذلك الطالب الذي أعطى أبوه الضوء الأخضر لمدرسيه أن يجلدوه سيعرف أنه ليس لأحد أن يبالغ في عقابه, ولا المواطن الخائف دائماً من رجل الأمن سيتوقف عن خوفه وهو يسمع أنه لو انقطع أحد أزرة رجل الأمن أثناء المشادة معه ولو بدون قصد أن العقوبة هي ستة أشهر من حريته, هذه قصة شائعة ولا أدري مدى صحتها. بالتأكيد, نحترم رجال الأمن وواجب على المرأة احترام زوجها وتقديره وتشريفه وكذا هو الحال في حق التلميذ مع أستاذه, لكننا بحاجة ماسة لنشر الثقافة الحقوقية بشكل مركز عبر كل وسيلة إعلام ممكنة من المنشورات المختصرة إلى اللقاءات والندوات التلفزيونية, ولا بد أن يكون من يحدثنا عن هذه الحقوق هم القضاة والمحامون الذين يتحدثون بالعلم والحقائق لا الوعّاظ الذين لا ينفكون عن الحديث عن الصبر وما لك من الأجر إذا أخذ حقك فصبرت, نريد علماً لا وعظاً, فللوعظ مجال آخر, وينبغي أن يكون هذا بشكل مباشر ومبسط على طريقة الأساليب الخطابية الواضحة والصريحة الهادفة للتثقيف العميق, بحيث يعرف كل ذي حق حقه.