وضعتها تحت المكبر وتأملتها إنها تشبه المحقنة تماما (السيرينج الطبي)؟! أنبوب في مقدمته إبرة طويلة للحقن والشفط؟ هل تعرفون ما هي؟ إنها البعوضة الأستاذة مصاصة الدم. إنها أعجوبة وفلسفة مليئة بالألغاز.. قالت لي ابنتي وهي تتأمل الجثة المرعبة! هل من حكمة في وجودها لنقل إنها تكمل دائرة الأحياء؟ هل هناك فوائد منها لا نعرفها كما كشف في العقرب والأفعى؟ قلت لها الشيء الأكيد هو إزعاجها وإرعابها ومصها لدمنا، وجعلنا نحك جلدنا كالمجانين بعد اللسع.. إنها كائن مدهش؛ فليست مثل النحلة إن لسعت ماتت، وتركت شوكتها في لحم الملدوغ؟ تعطينا العسل وليس الحك وشرب الدم؟ وهي أي النحلة المسكينة تفعل ذلك دفاعا كما تفعل الأفعى، وليس متعة ولذة بالضحية الفريسة. أذكر جيدا يوما أنني دخلت دورة مياه في مسجد؛ فكانت أكوام البعوض وأسرابها المرعبة بالمرصاد على الجدار، هربت؟! وآثرت عدم قاضلء حاجتي خوفا من المغامرة بين قوم لا يرقبون فيك إلا ولا ذمة.. إنها ليست مثل الذباب تحترم قوانين النوم والليل والنهار، فالذباب كائن يستحق الاحترام أمام البعوض، له قوانين نومه ويقظته، في الليل ينام مع نوم النائمين، وفي الصباح معاشا، يستقبل الحياة بنشاط ومرح؛ فلا يثقب ولا يلدغ، بل يلحس بنعومة ويمسح بلطف؟! أما البعوض التعيس فهو يستيقظ حين يهجع الناس؛ فتراه يطن بجنب الأذنين؛ فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتنهض للمعركة، فليس أمامك إلا الدخول في المعركة مع الكاميكاز الانتحاري، قاتل أو ملدوغ تحك إلى درجة شرشرة الدم من الجلد. إنه لا يتراجع دون استخدام محقنته لشرب دمك. ولماذا الدم يا خبيث؟ كل الطبيعة أمامك جميلة فتانة. قلّد الذباب أرجوك. انخرط مع أسراب النمل والنحل عفوا، انضم إلى فرق الصراصير والجرذان، تعلم من حكمة البوم والضفدع، يا خبيث كف عن ثقب أجسامنا وتحويل وجوه أحفادنا وأطفالنا إلى صور مشوهة. كانت حفيدتي الصغيرة ليلى مع أمها في زيارتي في كندا؛ فاستيقظت صباحا، وآثار فرقة كاملة من هؤلاء الخبثاء، قد حولوا تضاريس وجهها الجميل إلى ما يشبه مرتفعات الأطلس وتضاريس جبال روكي. لقد تمتع هؤلاء الأوغاد وعربدوا حتى الثمالة، فشربوا لحد السكر من دمها اللذيذ، وافترسوا لدرجة التخمة من لحمها الطري!! أعلنا الحرب على هؤلاء الزومبي والدراكولا الليلي بكل وسيلة ممكنة، أنوار ومشاعل وملاحقة وقتل وغازات كهربية في كل زاوية وبتكلفة تزيد على كهرباء المكيفات. إن قصصهم تحمل الرعب، فصديقي عماد كسرت ذراعه وهو يطاردهم؟ وامرأة فاضلة تصيبها حساسية من لدغة بعوضة واحدة تقترب من الربو تحتاج الإسعاف وحقن الكورتيزون. إنها ليست مثل الدبور فمرحبا بدبابير العالم صيدا وإبعادا، أما هي فترقص ضاحكة طربا، بل وحتى ضربها والقضاء عليها يحتاج إلى تدريب خاص، لأن صفعها من بعيد يجعلها تشعر بموجة الهواء؛ فتضيع يدك في الهواء، أو تخبط على كتف من حولك ألما والحشرة فرارا، إنها مراوغة غدارة دموية مدربة مثل أي كاميكاز انتحاري لايهمه شيء سوى شفط الدم. إنها قصة عالمية وحشرة كونية ورعب دولي، منها في بنجلادش لا ينامون إلا تحت الناموسيات، وعلى ضفاف بحيرات كندا كن حذرا جدا، إنه كائن يحتاج إلى مليارات الدولارات لفهمه وفهم حروبه. بعد أن ظفرنا بواحدة وضعنا المكبرات، وبدأنا في التأمل. قلت لابنتي تصوري أن يكون رأسك درعا ممتد منه رمح حذاء الأنف بطول ثلاثة أمتار مثلا! ضحكت من التشبيه. قلت لها هذا هو واقع هذه الحشرة التي تحدث عنها القرآن أنها أسفل سلم الموجودات، فلا شيء تحتها من الحشرات. إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها. تأمل كلمة فما فوقها فليس تحتها شيء.. إنها جيوش الظلام ودراكولا العتمة وتناقض الكون في صورة حشرة ضعيفة .. لكن جبارة...