عبد الرحمن بن مجمد المسيعد التفت عن يمينك وعن شمالك، ستجد عشرات بل مئات وألوف الشيوخ. لو كان فيهم ثلاثة مثل سليمان الدويش لما بقي في المملكة (ليبرالي) يتنفس وهو مرتاح. ولضاقت عليهم (وبهم) بلادنا التي تزيد مساحتها على 2 مليون كيلو متر مربع، مما يضطرهم إلى الهجرة، وإراحة البلاد والعباد، وتنظيف البلد من مخلفات الاشتراكية والقومية والعلمانية. (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه .. ) حين أرى سليمان الدويش، يأسرني شخصه وفكره، وكفاحه الصامد في وجه الذين في قلوبهم مرض. ولا يحضر في ذهني غير شخصية الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه. الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم، في أكثر من مناسبة، دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله. ومرة يقول له النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، لا، لعله يصلي. ومرة يقول له، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. ولم يثبت أنه عاتبه مرة من المرات، أو أنكر عليه هذه الشدة، أو قال له كن لينا، أو جادل بالتي هي أحسن، أو ادع بالحكمة والموعظة الحسنة. لأن هذه لها مقام وتلك لها مقام آخر. لذلك كان الفاروق إذا سلك واديا سلك الشيطان واديا آخر. وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب". مع ما عرف عنه من شدة في الحق، وعدم قبول بأنصاف الحلول تجاه الذي تظهر منه مخالفة للشرع، أو يشم منه رائحة نفاق. لقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم...). مع أنه أمره بأن يدعوهم إلى الإسلام. وقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). ولا أبلغ في هذه الموازنة من استشهاد الشيخ سليمان بقصة الثلاثة الذين خلفوا، حيث منع النبي صلى الله عليهم الصحابة من التعامل معهم، حتى السلام. لقد جمع الشيخ سليمان بين التأصيل العلمي، وحضور البديهة، وقوة الحجة، وبراعة الحوار، ورشاقة القلم. فهو فارس ميدانه، و(نسيج وحده) كما تقول العرب. واستطاع بما آتاه الله من ملكة، وما وفقه إليه من جرأة في روية، ونضال في صبر، أن يكون شوكة في حلق كل (ليبرالي). وربما حاول بعضهم النيل منه، مستغلين طريقته (العمرية) في قمعهم. وحين خرج الشيخ سليمان قبل أيام في لقاء تلفزيوني في إحدى القنوات، كان لحديثه الواضح، وصراحته الجارحة أحيانا، ردة فعل قاسية على كل من فوق رأسه (بطحا). وأخذ بعض كتاب الأعمدة الصحفية يتحسسون ويتخبطون، إثر إصابتهم في مقتل. لا يدرون كيف يردون اعتبارهم. ونظرا لأهمية اللقاء، ودقة عباراته ومباشرتها، فإنني حاولت أن ألخص ما جاء فيه، وأعيد ترتيبه تحت عناوين رئيسية، مع حذف التكرار والاستطراد. فكان ما يلي: 1) الليبراليون السعوديون : لا أسمي (الليبرالية) السعودية تيارا، فهي أقل من ذلك. وسيطرتهم على الإعلام جعلت لهم صوتا، ولو سحب منهم، لتاهوا في الشوارع، لأنهم ممجوجون من جميع فئات المجتمع. والانتخابات كشفت ذلك. والذي يؤمن (بالليبرالية) كما هي في الغرب، لا حظ له من الإسلام! لأن (الليبرالية) تقتضي حرية الأديان، ونكاح الرجل الرجل...إلخ. وبعض (الليبراليين) عندنا يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، وكانوا في يوم من الأيام يناقشون بالذي نناقشه به اليوم. كما أنه يوجد من (الليبراليين) من ليس منهم حقيقة، ولا يؤمن بأفكارهم، لكنه متأثر بطرحهم. 2) البغال والحمير : لم أشبه (الليبراليين) بالبغال لشيء في نفسي. فالبغال تتخذ مطية، وهؤلاء اتخذهم أعداء الدين مطية للطعن في الدين والنيل من البلد. والخنازير والحمير والبغال ذكروا في القرآن الكريم. وهذه الأوصاف ليست خاصة بالكافرين فقط. ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العائد في هبته كالكلب". ومسألة الألفاظ مسألة نسبية بين من يؤيدك ومن يعارضك. ففي رواية (فحيج) [يقصد الشيخ رواية شارع العطايف] ترويج لفلم خليع. ولقيت قبولا عندهم. 3) الدعوة والمجابهة : هناك فرق بين الدعوة التي تكون لبيان الحجة، وبين دحض المخالف ومجابهته. وكتاباتي ليست من باب المجادلة، حتى تكون بالتي هي أحسن. فالذين أتناولهم في كتاباتي لا يبحثون عن الدليل، وإنما يريدون صد الناس وإضلالهم. وعبارة (تافه) مصطلح شرعي. وفي الحديث: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". ومن التافهين أحد كتاب الأعمدة الصحفية، الذي خرج في لقاء إذاعي، يتحدث عن شؤون المسلمين، وقضاياهم الكبرى. ومكث ثلاث دقائق يحاول أن يتذكر حديثا يدعم فكرته ولو بالمعنى فلم يستطع. فكيف لمن هذه حاله أن يخوض في الشؤون الكبرى. 4) اللين ليس في كل الأحوال : من الخطأ أن نحصر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في اللين، وأنه كان ليّنا مع كل أحد. فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، ولعن في الخمر عشرة، وقال عليه الصلاة والسلام: "ثم أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم". وقال: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهني أبيه ولا تكنوا". وسمع أبا بكر يقول: امصص بظر اللات! فلماذا نأخذ جانبا ونترك جانبا آخر. 5) لكلّ قدره : أحترم العالم حين أتناقش معه، وكذلك طالب الحق، أو من كان بيني وبينه خلاف في مسألة. وأتمنى أن يجري الله الحق على لسانه أو لساني، وأن يهدينا جميعا إليه. أما الذي يكذب لإضلال الناس، فأعتبره بغلا امتطاه أعداء الدين. وكذلك حين أدعو شخصا إلى الصلاة، لا أقول له صل يا حمار! لكن حين أتصدى لمن يسخر بالدين فالوضع مختلف. لذلك قبضت يدي، ولم أسلم على عبد الرحمن الراشد، ودعوت عليه أيضا. ولو مد تركي الحمد يده ليصافحني، لبصقت في وجهه، ليدرك هذان وأمثالهما أن هناك رجالا لا يتشرفون بمصافحتهم. من استهان بالذات المقدسة، فلا قدر له عندي ولا كرامة. وليس معنى هجر السلام، أنني أكفره، فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من أصحابه، ومنع الناس من الحديث إليهم، ومن السلام عليهم. وهذا شرع لنا. 6) مصداقية الصحافة : قبل 25 سنة، كنت يافعا أبيع المرطبات في أحد شوارع البطحاء في الرياض. فالتقط لي مصور جريدة الرياض عبد الرحيم كردستاني صورة، ونشرت في اليوم التالي، وتحتها تعليق يثني على الطفل المكافح الذي يحصل قوته. وبعد ثلاث سنين، نشرت نفس الصورة، وتحتها تعليق يقول أين البلدية عن هؤلاء. هذا يبين لك مدى مصداقية الطرح واحترام القارئ عند صحفنا. 7) متنوعة : أتأمل خيرا في وزير الإعلام، د.عبد العزيز خوجه، وأتمنى أن يعيد بناء المؤسسات الإعلامية من جديد. أخرج في قناة (العالم) مع أنها شيعية، لأنني أستخدمهم ولا أخدمهم. ولا أتصل بالسفارات، أو أزورها في جنح الليل. ولا أعارض نقد الهيئة أو القضاء. لكن الحاصل أن تناولهم في الإعلام يعد مساسا بالشريعة، لأنه طرح غير نزيه. وأفخر بأنني أقف في وجه هؤلاء الذين يريدون النيل من الأمة. ومن أراد أن يحاكمني، فسأناوله مذكرة الادعاء، وأعرض عليه وكيلا يترافع عنه.