السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لقد ظهرت في هذه الفترة الأخيرة قناة (المجد) وقد وثّقَها كثير من أهل العلم البارزين، مما جعل الناس يقبلون عليها بكل ثقة وأمان. وهذا رائع وجميل، وسأقف معها وقفات أرجو فهْم مرادي وبيان الحكم: • وصفها بأنها إسلامية 100% فيه نظر، لأن أغلب ما فيها بعيد كل البعد عن الإسلام كما تعلّمنا. • تربية الأطفال عليها، وأنها وما تحمله خير يجب اتباعه والالتزام بمنهجه، وذلك إذا سأل الطفل أحد والديه عنها قالوا: تابعها فإنها إسلامية، فينشأ في ذهنه أن كل ما فيها حق لا يرد. • التساهل في كثير من الأمور التي تكلَّم فيها العلماء الأفاضل. فماذا بعد الحق إلا الضلال. • الإكثار من الحركات الفكاهية والألعاب، حتى ينشأ عن ذلك أخذ صورة بأن الإسلام دين مرح ولعب. أسألك بالله، هل حال أمتنا الآن يجعلنا نربّي أطفالنا على هذا؟ • اتخاذ الأناشيد شعارًا لكل برنامج، حتى الأخبار ما سلمت من هذا. فوالله إنها تذكرني بالقنوات الفضائية الأخرى؛ حيث لا بد من النغمات الموسيقية. أما الآن فأريد أن أعرض لك بعض ما رأيته فيها، وأنت احكم بما آتاك الله من علم ودراية وخبرة: • بعض المذيعين -ممن نحسبهم من الصالحين- لا يهتم في لباسه، فترى فيه الإسبال. • بعض المذيعين- ممن نحسبهم من الصالحين- يكثر من المزاح حتى أساء الناس النظر إلى الصالحين. • إن بعض الأناشيد أقسم بالله العظيم ثلاثا إنها شبيهة بالأغاني! ولا تختلف عنها إلا في الكلمات. • وبعد هذا قل لي بربك ما الحكم الشرعي في هذا ؟ وهل ينبغي لنا السكوت، أم ماذا نعمل ؟ أنا لست محاربا لهذه الأعمال الدعوية ولكن بشروط موافقة للشرع الحنيف, أليس كذلك؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجواب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد.. نشكر السائل الكريم على ثقته وحسن ظنه ومحبته، ونسأل الله –تعالى- أن يبلِّغنا بفضله وجوده وكرمه ما ذكره السائل من الإخلاص والتوفيق والثبات، كما نسأل الله للسائل أن يوفقه لقصد الحق واتباعه والدعوة إليه. فإن الكلام عن قناة المجد وما ذكره السائل من أطروحات فالكلام عليه من وجوه: الأول: ليس هناك قناة إسلامية صائبة 100% ،بل ولا مجلة إسلامية، بل ولا كتاب من تأليف البشر كذلك. ووصف البعض بأنها إسلامية له معنى صحيح، وذلك لما فيها من تحري الخير وغلبته، والابتعاد عن الحرام قدر الإمكان، ولا يعني هذا الوصف خلوها من الأخطاء؛ إذ وصف الكتاب بأنه إسلامي لا يعني خلوه من الأخطاء، ووصف الدولة بإنها إسلامية لا يعني أيضًا أنها كذلك 100%. فإن قناة المجد عمل بشري كسائر الأعمال البشرية التي يكتنفها الخطأ، ولا تدعي لنفسها العصمة، والمعول في الشرع على الخير الغالب، وهي وإن كان يحدث فيها بعض الأخطاء التي قد تنسب إلى بعض الأفراد، فلا يصح أن يبنى عليه حكم عام. وقول السائل إن أغلب ما فيها بعيد كل البعد عن الإسلام قولٌ مجافٍ للعدل والإنصاف؛ إذ إن هذا الوصف لا ينطبق حتى على بعض القنوات الأخرى. الثاني: أتفق مع السائل بوجود بعض الأناشيد بالقناة والتي فيها خلاف بين أهل العلم، حيث إن عامة العلماء يرون حرمة ذلك إذا اقترن بآلات اللهو (الموسيقى)، والذي فيه أدلة صريحة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيَكُونَنَّ مِن أُمَّتي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعَازِفَ". رواه البخاري (5590). أو اشتمل على دعوة إلى الفاحشة والفجور، كما هو موجود في عامة القنوات الأخرى، أو اشتمل على الصد عن سبيل الله، كما يفعل المشركون، أو كان على سبيل التعبُّد، كما يفعل الصوفية، وأما ما في القناة فلا أعلم اقتران النشيد بشيء من ذلك، غاية ما هنالك اجتهاد من بعض العلماء يقابله اجتهاد آخر، فالمسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح يوجب المقاطعة والإنكار، وهي لا تختلف عن الأغاني في الكلمات، كما ذكر السائل، فحسب، وهو فرق مهم، ولكن في مصاحبة آلات اللهو أيضًا، وهي أقرب ما يكون للحداء الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأنجشة: "يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بالقَوَارِيرِ". أخرجه البخاري (6149) ومسلم (2323). ومع ذلك فإنني أوافق السائل في مراجعة القناة لنفسها لتخفيف تلك الأناشيد، والتي يقترب بعضها من الألحان والتي آذت كثيرًا من المؤمنين. الثالث: ما يتعلق بالإكثار من الحركات الفكاهية والألعاب، فأنا أتفق مع السائل بأن ذلك يزداد في فصل الصيف، ويتفق معنا عدد من المشاهدين بتفضيل البرامج الجادة والمفيدة التي تمتلئ بها القناة، ولكن الإشكال: هل جميع المشاهدين هم كذلك؟ أم أن تلك البرامج (الفكاهية والألعاب) لها جمهورها الذين يريدون الترويح بين البرامج المفيدة الجادة ببرامج مباحة، والذين كثير منهم إن لم توجد هذه البرامج ربما انصرفوا إلى القنوات الأخرى التي تمتلئ بشر من ذلك، فما دام ما يعرض ليس بمحرم فالأمر فيه سعة, والحمد لله. الرابع: أتفق مع السائل بوجود بعض المنكرات على بعض المذيعين وبعض المشاهد في القناة، والتقصير وارد، والدين النصيحة، ولكنني أعذر القائمين على القناة في كثير من ذلك، بل لا يحرم على القناة الاستفادة من الكفار لتحقق أهدافها الخيرة، فضلًا عن عصاة المسلمين، وذلك لندرة المتخصصين من الصالحين في المجالات الإعلامية مما تدعو الحاجة الماسة للاستعانة بمن هم دونهم، وقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد المشركين للدلالة على الطريق في الهجرة للمدينة- انظر طبقات ابن سعد 1/229. بل وفي أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل- صحيح البخاري- روايات أحاديث نبوية من بعض الخوراج المشهورين كعمران بن حطان، كما روى غيره من أهل السنن عن أبي حسان الأعرج، كما ذكر أبو داود في سؤالات الآجري الذي يعلم أهل الشأن أن المصلحة متحققة في الرواية عنهم ولانتفاء الكذب عنهم. وليس لأحد أن يقول إن هذا توثيق من كل جهة وتصحيح لمذهبهم، فاستضافة القناة لبعض من يستفاد منه من أطباء ومتخصصين -ولو كان لديه بعض المنكرات الخاصة به- هو ظاهر في غلبة المصلحة، والحكمة ضالة المؤمن. كما أنني أنصح نفسي والإخوة الصالحين -لا سيما الذين يظهرون في وسائل الإعلام ويقتدى بهم- أن يتحروا مرضاة الله تعالى، وإظهار شعائر الإسلام والالتزام بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. الخامس: أنني أدعو السائل إلى تقدير العمل الإسلامي والمشاريع الخيرة، ولا شك أنه فرق بين القنوات التي تبث دون قيود وتنقل كل شيء من هنا وهناك دون جهود، بل وحتى دون أهداف خيرة، بل وأهداف سيئة أحيانًا، وبين هذه القناة وأمثالها التي تستحق الشكر والدعاء. وقول السائل: هل ينبغي لنا السكوت؟ فالجواب عليه من وجهين: الأول: بل ينبغي الإشادة بالمشاريع الخيرة أمثال هذه القناة، ولا يمنع هذا من مناصحة القائمين عليها والتواصل معهم في أي خطأ والدين النصيحة. والثاني: لماذا يسعنا السكوت عن مئات القنوات الأخرى التي تمتلئ بالفجور والسفور؟ والشيطان يزين محاربة هذه الأعمال بحجة الأخطاء، وقد قال بعض السلف لمن اشتغل بعيوب إخوانه والتشهير بهم: (سلم منك اليهود والنصارى ولم يسلم منك إخوانك). إن من الحكمة والعقل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة عظيمة، ذكرها العلماء -رحمهم الله تعالى- في قاعدة الصلاح والأصلح، أن يتحمل بعض الفساد الأقل في سبيل تحصيل الخير الأكبر، وقد فعل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في ترك قتل المنافقين؛ حتى لا يقال إن محمدًا يقتل أصحابه- انظر صحيح البخاري (3518) ومسلم (2584)- وفي عدم إعادة بناء الكعبة- انظر صحيح البخاري (1585) ومسلم (1333). ولا شك أن محاربة بعض المشاريع الخيرة من البعض والتشهير بها داخل في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والصد عن سبيل الله وصارف للناس عن هذه القناة وأمثالها إلى شر منها- إذا سلمنا بوجود شر كثير فيها- وأن كل من له أدنى بصيرة ونظر واطلاع إلى ما في القنوات يعلم الفرق الكبير بين هذه القناة وبين غيرها. وللأسف أن يسلط بعض الأخيار على هذه القناة بالتشهير وإبراز العيوب ووأد المحاسن. السادس: اعلم أن لتلك القناة هيئة شرعية معلنة من كبار العلماء، كفضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، وغيرهم، وهذا دليل تحريهم الخير وحرصهم عليه، وأوصي أن يقوم بواجب النصيحة تجاههم وإبداء ما يراه من ملاحظات ويحتسب الأجر في ذلك على الله تعالى. السابع: ما ذكره السائل من توثيق أهل العلم البارزين ممن لا يحصون كثرة لهذه القناة- صواب، وهذا دليل على قبول تلك القناة إجمالًا من أهل الخير. الثامن: علينا أن نحسن الظن بإخواننا الباذلين العاملين وأن نشجعهم، وأن نبذل لهم النصيحة والعون في هذا البحر المتلاطم من الوسائل الإعلامية التي تمتلئ بالسفور والمجون بل وحتى الفاحشة والفجور. كما أنني أشكر السائل على إثارة هذا الموضوع وعلى غيرته الطيبة التي أرجو أن يرشدها إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين. وفقنا الله وإياك لكل خير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.