قضية الاعلاميتين السعوديتين روزانا اليامي وايمان الرجب, اللتان أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بتحويل قضيتهما إلى وزراة الثقافة والإعلام والعفو عن الحكم الذي صدر بحق اليامي أعادت الى ذاكرة الاعلام السعودية قائمة بمحاكمات سابقة لاعلاميين وصحفيين سعوديين, منهم من صدر بحقهم أمر سامِ بالعفو, وآخرين ظلت قضاياهم قابعة خلف أسوار الذاكرة. يأتي أبرزهم منصور النقيدان, وحمزة المزيني, ومحمد السحيمي, عبد الله بخيت, والدكتور سعيد السريحي الذي فصل من عمله وحوسب بدون محاكمة, جميعهم اعلاميين وكتاب سعوديين معروفيين, جميع هؤلاء واجهوا محاكمات قضائية في الاعلام والنشر بأروقة المحاكم السعودية العامة, بعيدا عن تدخل وزارة الثقافة والاعلام المختصة بهذا الدور.
ويتفق اعلاميين وصحفيين استطلعت آرائهم (عناوين) بأن تاريخ محاكمات الاعلاميين في المملكة, يشترك في ذات الأساس القانوني الذي لم يحل بعد بغياب تقنين الأنظمة والتشريعات لدى المحاكم, معتبرين ذلك الأمر يعد ضرورة قصوى تستوجب التحرك بسرعة في شأن سن تشريعات وتقنين أنظمة متخصصة في المحاكمات.
ويقول الكاتب الصحفي محمد السحيمي ل(عناوين) بأن قضية روزانا اليامي في اطار محاكمة المجاهر بالمعصية, كما عرف عنها, ومثلها من المحاكمات السابقة لاعلاميين في المملكة تعد ظاهرة صحية, كونها تمارس تعليم المجتمع بالضد, حيث أن أساس تلك المحاكمات خاطئ, بسبب غياب الاختصاص في محاكماتهم. مضيفا "أن ما أحاط بتلك المحاكمات من تداعيات قانونية ونظامية اجتماعية, هو النقطة الفارقة في تاريخ المحاكمات القضائية والاعلامية في المملكة".
وذكر السحيمي, الذي صدر بحقه حكم تعزيري سابق من المحكمة الجزئية, بأن الحكم السابق بحقه لم يكن من صلاحيات المحاكم العامة أو الجزئية, وإنما كان من اختصاص ديوان المظالم الا أن المحكمة الجزئية نظرت في قضيتي وقامت بالبت فيها, بالرغم من أن المادة 22 من النظام تنص على عدم صلاحية القاضي في النظر في القضية باعتبارها من اختصاص جهات أخرى .وكان قرار من المقام السامي قد صدر بحق السحيمي آنذاك.
وعن صدور حكم قضائي على اعلاميين في محاكم عامة بعيدا عن جهة الاختصاص (وزارة الثقافة والإعلام ) علق السحيمي "لا نزال نتحرك في منطقة الظل والعود أعوج, مع غياب الاختصاص والاجراءات القضائية المقننة والتي تتفق مع الشرع والقوانين العالمية.
وفي اشارة الى مختلف الأنظمة القضائية في القطاعات في الدولة ومن ضمنها وسائل الاعلام, شدد السحيمي : نحن بحاجة الى مثل القرارات السامية بالعفو في البت في هذه القضايا, لاسيما أن قضاة في عدد من القضايا حكموا من وجهات نظر شخصية متأثرين بالمحيط الاجتماعي. فيما تساءل السحيمي ما اذا كان (كتاب المغني) المرجع القانوني الأهم للقضاة سيفي بالغرض في حل قضايا فنية وتخصصية حديثة قائلا بأن الحالات القضائية الحالية بحاجة الى التطوير في أنظمتنا القضائية وتقنين قوانينا في المملكة.
وأضاف : من الطبيعي أن يخضع الاعلاميين والكتاب للمساءلة القانونية, لكن تدخل جهات غير مختصة هو الأمر غير الطبيعي, وخارج أي اطار مهني أو عدلي طالما أنها خارج نطاق الاختصاص. هذا ما اتفق عليه كثيرون. في كل الأحوال فإن أي قانون أو نظام اجتماعي لا يسمح بالجهر بالمعاصي أو ما يسيئ الى المجتمع. فعندما تتحول قضية قانونية الى قضية رأي عام, يضيف السحيمي "على القضاة أن لا يتأثروا بأحكام الرأي العام". حيث اختتم السحيمي " عندما ننتقد الاجراءات القضائية لا يعني ذلك أننا ننتقد شرعنا الحنيف, الذي لا يماثله تشريع في أي جهة في العالم, لكن يجب أن يكون هناك نظام وقانون واضح يحاسب المخالفين من المجتمع, واصلاح الأخطاء والأهواء الشخصية التي يقترفها بعض الأفراد.
ومن جانبه, وصف الكاتب الصحفي حمزة المزيني في حديثه ل (عناوين) بأن قضايا الرأي العام ب (ذات الحساسية الشعبية العريضة). قائلا بأن محاكمات اعلاميين وغيرهم تأتي في سياق انفتاح المجتمع السعودي على الحوار في قضايا مهمة ومحورية, وأضاف "يبدو أن كل فريق على النقيضين استخدم أسلحة لم تكن متاحة في السابق".
وتحدث ل (عناوين) عن تجربته في محاكمته كاعلامي, كانت تعد سابقة وفارقة, حيث أعلن آنذاك لأول مرة بأن استخدام كل الأسلحة الإعلامية والتناظرية ليست متاحة, في إشارة واضحة الى محدودية استخدام تلك الاسلحة في حقب سابقة, حيث كان الكتاب والاعلاميين مهددين بالمحاكمات أو السجن دون محاكمات, الى أن قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله منذ أن كان وليا للعهد بانصاف كثيرين حيث أعاد خادم الحرمين الأمور الى سياقها الصحيح من خلال الحوارات الوطنية وقرارات تصب في المصلحة العامة, وأصبح للمتضرر أن يتظلم أو يسقط أحكام قضائية بحقه. ويجمع الاعلاميين في حديثهم ل (عناوين) على أن خلفية محاكمات اعلاميين وكتاب عن تجارب سابقيهم قد اختلفت كثيرا, فالفرق أصبح واضح جدا الآن, في ظل اتساع الحرية الصحفية والنقد البناء, والمطالبة بالتطوير واصلاح الأخطاء. مؤكدين على أن هذه القضية عادت بهم 20 سنة الى الوراء, مذكرة إياهم بقضية الكاتب الصحفي الدكتور سعيد السريحي, , حيث لم يكن متاحا لاعلاميين الحديث عن مثل تلك القضايا وقتذاك.