مصطفى صادق الرافعي اسم لامع في عالم الشعر والنثر؛ ومن ألقابه (معجزة الأدب العربي)؛ ينتمي في شعره إلى مدرسة المحافظين التقليدية، ورغم إنجازه في الشعر إلا أنه لم يستطع تجاوز مكانة معاصريه كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، مما دفعه إلى ترك الشعر إلى النثر لأنه أطوع، ذاكرًا أن أبرز القيود الوزن والقافية؛ فبرع في النثر الشعري، والدراسات الأدبية، وكتابة المقالات التي ضمنها الكتاب المشهور (وحي القلم)، ولا غرابة أن نجد المحدِّث أحمد شاكر يصفه بقوله: "إمام الكُتَّاب في هذا العصر، وحجة العرب".. كتاب "وحي القلم" عمل أدبي رائع، ويعد من أجمل ما كتبه الرافعي، وهو عبارة عن مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية والقصص والتاريخ المتناثرة في الصحف والمجلات، والتي تجمع خصائصه الأدبية والعقلية والنفسية، حتى قيل: "من شاء أن يعرف الرافعي عرفان الرأي والفكرة والمعاشرة فليعرفه في هذا الكتاب".. في ذات الكتاب مقال فضفاض يناسب الزمان والوضع العام، عنوانه: (المعنى السياسي للعيد)، أذكر منه بشكل مقتضب بعض ما استوقفني فيه.. كتب رحمه الله تعالى :"ما أشد حاجتنا إلى أن نفهم أعيادنا فهمًا جديدًا.. العيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه.. كان العيد عيد الفكرة العابدة، فأصبح عيد الفكرة العابثة.. كان العيد إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه، فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيواني في أكثر معانيه، وكان يوم استرواح من جدِّها، فعاد يوم استراحة الضعف من ذُلِّه، وكان يوم المبدأ، فرجع يوم المادة.. ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأنَّ الأيام تتغيَّر، وليس العيد للأُمة إلا يومًا تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب.. ليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة.. وكأنه إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلِّها.. العيد صوت القوة يهتف بالأمة: أخرجي يوم أفراحك، أخرجي يومًا كأيام النصر.. العيد يوم يفرح الشعب كلُّه بخصائصه.. ليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها، وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة الفرح والبهجة، ويعلِّمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض الألفاظ التي فرغت عندهم من معانيها، ويبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه، لا عمل المنابذ لمنابذه.. ليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تُوجِّه بقوَّتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت.. لتنشئ لنفسها أيامًا تعمل عمل القُوَّاد العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنًى من معاني النصر.. (ثم يختم ويقول): ألا ليت المنابر لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع، لا رجال في أيديهم سيوف من خشب..".. الرافعي لخص المعاني السياسية للعيد، وكأنه بيننا يعيش الأحداث التي تمر هنا وهناك.. والأمل كبير في أن نستشعر نحن جميعا جميع هذه المعاني، أو بعضها، ومن ذلك أن واقع الأمة لن يستقيم وكما قال خادم الحرمين، أيده الله "بالإرهاب الفكري"، و"النظريات الحزبية"، و"المطامع السياسية"، و"التدليس على الناس".