ما يحدث في مصر لا يمكن عزله عن المنطقة، غير أن ما يهمنا هو تأثيرات الأزمة المصرية على الشارع السعودي. أتفهم أنه ليس كل مؤيدي "الإخوان" من منتسبي الجماعة، لكن هناك من استطاع أن يحرك جماعة "لست من الإخوان ولكن أحبهم" .. ولأنك عندما تختلف مع الآخرين فإنك تُقصيهم وتشتمهم، فلِمَ أيضاً لا تُخرجهم من الملة؟ وتصنفهم كأعداء للإسلام والمسلمين؟ و"منافقين" و"متصهينين" و"علمانيين"؟ هل بقي من الكفر شيء؟ نعم لا يزال هناك الكثير مما يحتمله قاموس الشتامين اللعانين، كل هذا في شهر رمضان الكريم.. ثم تسمعه يقول: اللهم إني صائم! ما تحت النار هو الرماد، والأحداث كفيلة بذر الرماد في العيون، وربما كان الحدث الأبرز في هذا الصيف هو عزل الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي. هناك من رأى أن ما جرى هو "انقلاب عسكري"، وآخرون رأوا في ذلك "ثورة جديدة" أو "تصحيحاً لمسار الثورة"، حتى الآن من حق الجميع أن يبدي رأياً وفق قناعاته الشخصية. المفاجأة أن أنصار جماعة الإخوان المسلمين، في معظمهم، اعتبروا كل مَن لم يسر على خطاهم ويؤيد جماعتهم، عفواً حزبهم، يعمل ضد الإسلام لمصلحة "الكفرة العلمانيين"، هكذا، ولو كان هذا الطرح من العامة الذين يعتقدون، بتضليل واضح، أن كل "إخواني" يمثل الإسلام، وما عداهم ضد الدين العظيم، لتفهمنا هذا الخلط الفاضح. المصيبة في أولئك المشايخ والدعاة وأساتذة الجامعات، حتى المثقفين الذين لم يكتفوا بتأييد حزب بعينه، بل بلغوا حداً لخلق حالة من الوهم عمّموها على أتباعهم مفادها: كل من هو ضد "الإخوان" فهو ضد الإسلام.. تخيلوا. صحيح أن ما يحدث في مصر لا يمكن عزله عن المنطقة، فهي بمثابة القلب النابض للدول العربية، غير أن ما يهمنا هنا هو انعكاس تأثيرات الأزمة السياسية المصرية على الشارع السعودي، أتفهم أنه ليس كل مؤيدي جماعة الإخوان هم فعلاً من منتسبي الجماعة أو مؤيديها، لكنني مقتنع تمام الاقتناع أن هناك من استطاع أن يحرك جماعة "لست من الإخوان ولكن أحبهم"، ومن ثم نجحوا في خلق حالة من التطرف غير المسبوقة، فمن السهل أن أصفك بكل الأوصاف التي تصل في النهاية لنتيجة واحدة مفادها: أنت لست مسلماً. بالطبع لا تتوقع أن هناك مَن سيدافع عنك، ألم يخلقوا ذهنية أن "الإخوان" وحدهم مسلمون، وما عداهم ليسوا كذلك؟ الأكيد أن جماعة الإخوان المسلمين انحسرت فكرياً ومعنوياً، ولا جدال أن الانحسار الفكري مقدمة للانحسار المعنوي، وهو ما بدا جلياً في سعي الجماعة للسيطرة على كامل مفاصل الدولة المصرية وإقصاء أصدقائها قبل خصومها، ومن أبرزهم حزب النور السلفي الذي ضاق ذرعاً بمراوغات الجماعة، حتى إن الحزب ذاته صرح ذات مرة أن "الإخوان" كانوا ضد تطبيق الشريعة أصلاً في مصر، وضد أن تكون هناك دولة دينية من الأساس، ومع التقارب مع إيران رغم كل مواقفها العدائية مع العرب والمسلمين السنة، وفي صف روسياوإيران وموقفهما المخزي من الثورة السورية. ربما أتفهم هذا الطرح من "الكفرة العلمانيين"، لكن كيف بمن يزعم أنه يحمل لواء الإسلام والمسلمين؟! تصوير المشهد السياسي في العزيزة مصر بأنه مواجهة بين "أهل الإسلام"، وآخرين مشكوك في تدينهم أو حتى خارج العقيدة أساساً، تسطيح للمشهد بأكمله، ومحاولة لتوجيه الشارع ضد من يُصورون على أنهم خصوم الإسلام، وليسوا خصوما لمن يمتطي صهوة الإسلام.. ضد حزب علماني المخبر إسلامي المظهر.. حزب شأنه شأن الأحزاب الأخرى، يخطئ ويصيب، لكن يسعى لتمييز نفسه بميزة لا يجدها أغلبية خصومه: عباءة الدين. أجدني أختلف مع حزب النور السلفي، لكنني أحترمه كثيراً، بل أرفع العقال لمبادئه التي لا يميل عنها كثيراً، حتى الآن يثبت أنه أكثر خبرة ومصداقية في التعاطي سياسياً من حزب الحرية والعدالة، فهو يقدم نموذجاً جديداً في السياسة الشرعية المنضبطة بالأخلاق، وليست السياسة المبنية على الميكافيلية ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة. حزب النور يطبق ما يقوله فعلاً، أما نظيره الإخواني فهو يزعم شيئاً ويطبق أشياء أخرى. قارنوا بين مبادئ الحزبين لتروا فعلاً من هو الحزب الذي يقدم مبادئه على مصالحه، ومن يفعل العكس. بقي أن نشير إلى ما يتداوله جماعة "لست من الإخوان ولكن أحبهم"، الفرع السعودي، في نعت خصومهم بأنهم أعداء للإسلام، لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع ولا حتى بنسبة 1 في المئة، فالسعوديون أساساً يعيشون في ظل دولة تستمد دستورها من الشريعة، أي أنه من المستحيل أن يكون هناك من يعمل ضد الإسلام، وهو في الأصل مواطن من دولة أبعد ما تكون عن العلمانية. يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من علامات المنافق: إذا خاصم فجر. انظروا حولكم وتمعّنوا كمية الفُجر في الخصومة وفي شهر رمضان المبارك.