قبل أربع سنوات كنت في بهو ماريوت الرياض (ماغيره!) للقاء صديق جاء من الطائف للمشاركة في مهرجان الجنادرية ولكي أتغلب على وقت الانتظار اتجهت إلى المكتبة وبدأت بتقليب الصحف والمجلات لشراء البعض منها، ولأن عالم الصحف والمجلات هو عالمي الجميل الذي أحبه وأهتم بتطوراته منذ الصغر فقد استغرقت طويلا في تقليب المجلات ذات التخصصات المتنوعة وخصوصا حديثة الصدور وأبحث بين الصفحات عن أماكن صدورها وأسماء كوادرها التحريرية وكنت بين فترة وأخرى أسأل البائع الآسيوي عن مدى رواج هذه المجلة أو تلك فظن أنني أعمل في إحدى شركات التوزيع فنقل لي معاناته من شروط الموزعين وضع مجلات لا يشتريها أحد في محله الضيق مقابل تزويده بالصحف الرائجة. شكوى هذا البائع علامة من علامات نهاية الصحف الورقية التي تنبأ بها الكثيرون ومن أبرزهم الصحفي الخبير عثمان العمير ولكن هل نهاية الصحافة الورقية تعني بالضرورة انسحاب الصحف والمجلات التي نعرفها اليوم لصالح الصحف الإلكترونية؟!، في تقديري أن ما سيحدث هو العكس تماما حيث سيختفي الورق وتبقى أغلب الصحف الورقية مسيطرة على السوق الإعلامية وفي الوقت ذاته ستختفي الغالبية العظمى من الصحف الإلكترونية الحالية! كيف سيحدث ذلك؟، الإجابة على هذا السؤال بسيطة جدا فالإعلام أولا وأخيرا صناعة، وأي صناعة تعتمد أساسا على القدرات المالية والخبرة، والصحف الحالية تملك الأموال والعلاقة المباشرة مع المعلنين ولديها عدد هائل من المحررين والمصورين ومصادر الأخبار ومتى ما وجدت أن أرباحها من سوق الإعلان مهددة فإنها ستعتمد على نسختها الإلكترونية أكثر من نسختها الورقية وستضغط من أجل تفعيل قوانين حماية الملكية الفكرية بحيث تمنع الصحف الإلكترونية من إعادة نشر الأخبار والصور والمقالات التي تخصها وستجد الصحف الإلكترونية - محدودة الإمكانيات - أنها مضطرة لإنفاق أموال طائلة من أجل الحصول على الأخبار والصور والمقالات وهو أمر لا تقدر عليه إلا ثلاث صحف إلكترونية محلية على أبعد تقدير. باختصار، المؤسسات الصحفية اليوم لا تشعر بكل هذا التهديد الذي يتحدث عنه الناس بخصوص نهاية الصحافة الورقية لأنها تأخذ حصتها من سوق الإعلان كاملة غير منقوصة، والغالبية العظمى من هذه المؤسسات العملاقة أنشأت شركات رديفة أو فروعا لإدارة مواقعها الإلكترونية بمختلف التطبيقات كي تكون مستعدة للنزول إلى ساحة المنافسة متى شعرت بالتهديد الإعلاني. ولكن هذا لا يعني أن الطريق إلى القراء سيكون مفروشا بالورود حين تنتقل هذه الصحف من عهد الورق إلى الصيغ الإلكترونية المختلفة فالقارئ اليوم اعتاد على سقف الحرية المرتفع في شبكة الإنترنت وليس لديه أدنى استعداد للعودة إلى الوراء، وصحفنا الورقية اليوم شربت من كأس الرقيب حتى أصبح التحفظ والتردد جزءا أساسيا من شخصيتها وهي في أحيان كثيرة خاضعة لمسطرة المصالح التي تعرقل حركتها وهنا فقط يمكن أن تكون إمكاناتها المالية الهائلة عبئا عليها لأنها سوق تنفق الأموال على مواد لن يقرأها أحد، وإذا كان ثمة سبب قد يجعل هذه الصحف تخسر القارئ والمعلن معا فلن يكون انتهاء عصر الورق، بل استمرار عصر الرقيب !. (نقلا عن عكاظ)