تختلط رائحة جثث الشهداء المتحللة برائحة الجثث المحترقة في ثلاجات حفظ الموتى بمستشفى الشفاء أكبر مستشفيات قطاع غزة ؛ رائحة لا تقوى على تحملها، فضلاً عن مشاهد الجثث المحترقة والأشلاء الممزقة التي عايشها محمد اشكنتنا طوال أيام الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة والتي أستمرت 23 يوما. عهد لمحمد اشكنتنا المسئول عن ثلاجات الموتى في المستشفى تكفين شهداء الحرب العدوانية الإسرائيلية لم يغادر فيها المستشفى الا في العشرين من الشهر الجاري منذ بدء الحرب في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي . العشرات من ذوي الشهداء يستفسرون منه عن مفقودين لهم ليس لهم أثر منذ اليوم الأول للحرب ، ويدعوه آخرون لمساعدتهم في تكفين جثث شهداء عثر عليهم تحت أنقاض المنازل المدمرة شرق مدينة غزة ، فلا يتأخر الرجل الأربعيني ، ويقول " عملي مقابله أجر عظيم عند الله" . محمد يروي ل (عناوين) الأيام الصعبة التي عاشها مع الجثث قائلا" تحملت مشاهد صادمة جداً " أنا مكلف بالثلاجات منذ سنوات " لكني لم أرى مثل هذه المشاهد قط في حياتي، رأيت كل شيء " رأيت رأساً لطفلة دون جسد، رأيت أرجل مفصولة عن الجسد، رأيت لحم وعظم محروق..." يكفي أن تجمع كومة من اللحم والعظم المسحوق من الحرق وتضعها في وعاء بلاستيكي . ويقول " كان ثمانية من الشهداء عبارة عن كتلة من الفحم " دون لحم أو عظم" من بينهم أربعة من عائلة الحداد استشهدوا في غارة جوية بحي الشيخ رضوان وسط غزة ، وأربعة آخرون من عائلات أخرى . وكفن محمد (240) شهيداً من حوالي ستمائة شهيد من بينهم ، سعيد صيام وزير الداخلية في الحكومة المقالة واحد قادة حماس ، وتوفيق جبر مدير الشرطة في القطاع ، وغيرهم من الأطفال والنساء والعجائز ، في اليوم الأول كفن فقط أربعين شهيداً ، وهو رقم كبير جداً " أن تكفن كل هذا العدد في ساعات معدودة شيء مضني، لم أكفن طوال حياتي أكثر من خمسة موتى فقط". يقف الرجل على باب الثلاجات وعيناه في كل اتجاه لا يشكو من ضغط العمل وقلة الراحة بين عائلته القلقة عليه لكنه يشكو من نتائج المشاهد المرعبة التي رآها بعد انتهائه من العمل الشاق ، "الكوابيس ستلاحقني بالتأكيد عندما أريد ن ارتاح" أما ألان فغمرة الشغل تلهيني عن تذكر فظاعة المناظر التي تفوق تحمل البشر ووصفهم " ينتابني اكتئاب نفسي بعض الأوقات ". وواجهت المستشفى عجزاً كبيراً طوال أيام الحرب في حفظ جثث الشهداء في الثلاجات ال"17" لم تحتمل أكثر من ضعفها جثث ، بينما عشرات الجثث صففناها في الممرات والطرقات نظراً لقلة الإمكانيات مقابل حجم الشهداء. ويقدم العشرات ممن فقدوا أحداً من ذويهم إلى ثلاجات الموتى للبحث عن مفقوديهم بين سبعة جثث مجهولة الهوية حتى اللحظة من بينهم امرأة لم يتعرف عليها أحد بعد انتشالها من تحت أنقاض المنازل المدمرة في حي الزيتون شرق غزة صباح الأحد الماضي. يحلم محمد بإجازة طويلة لتخلصه من أثقال الضغوط النفسية والجسدية التي تراكمت على كاهله " أين سأقضي إجازتي " يتساءل بحرقة يقطعها الألم " هل سأقضيها في باريس أم بيروت !!!" ، سأقضي إجازتي بين تهدئة روع أطفالي وإرضاء زوجتي وتهدئة هواجسي.