كشفت الهيئة العامة للسياحة والآثار عن أول آثار فرعونية في الجزيرة العربية تعود للقرن الثاني عشر قبل الميلاد، الأحد 7 نوفمبر، في مؤتمر صحفي أقيم في المتحف الوطني بمركز الملك عبد العزيز التاريخي في الرياض. وأعلن نائب الرئيس للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور علي إبراهيم الغبان، اكتشاف أول نقش هيروغليفي في الجزيرة العربية على صخرة ثابتة بالقرب من واحة تيماء، يحمل توقيعا ملكيا (خرطوش مزدوج) للملك رمسيس الثالث، أحد ملوك مصر الفرعونية الذي حكم مصر بين (1192 - 1160) قبل الميلاد. وقال الغبان في مؤتمر صحفي عقدته الهيئة في المتحف الوطني في الرياض: إن علماء الآثار السعوديين اكتشفوا النقش بالقرب من واحة تيماء التاريخية الشهيرة التي تعد من أكبر المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، حيث تبلغ أطوال ما تبقى من الأسوار الأثرية التي تحيط بها في الوقت الراهن 13 كيلو مترا. وأوضح أنه تم العثور على خرطوش الملك رمسيس الثالث قبل أربعة أشهر، وقد أثار العثور عليه بالقرب من تيماء في منطقة تبوك تساؤلا كبيرا حول أسباب وجوده في عمق الشمال الغربي للجزيرة العربية. وأضاف الدكتور الغبان أن علماء الآثار السعوديين أجروا بحثا ميدانيا ومكتبيا توصَّلوا من خلاله إلى وجود طريق تجاري مباشر يربط وادي النيل بتيماء، وكان يستخدم في عهد الفرعون رمسيس الثالث في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وتسير عليه القوافل المصرية للتزوّد من تيماء بالبضائع الثمينة التي اشتهرت بها أرض مدين، مثل: البخور والنحاس والذهب والفضة. وأشار الغبان إلى أن الطريق الذي يربط وادي النيل بتيماء محدد بتواقيع ملكية (خراطيش) للملك رمسيس الثالث وضعت على مناهل في شبه جزيرة سيناء والجزيرة العربية. وأشار الدكتور الغبان إلى أن الطريق يمر بعد وادي النيل بميناء القلزم ثم مدينة السويس حيث يوجد معبد للملك رمسيس الثالث، ثم يسير بحرا إلى سرابيط الخادم بالقرب من ميناء أبو زنيمة على خليج السويس، حيث عثر هناك على النقوش للملك رمسيس الثالث أيضا، ثم يعبر شبه جزيرة سيناء بشكل عرضي ويمر على منهل وادي أبو غضا بالقرب من واحة نخل، حيث عثر فيه أيضا على خرطوش مزدوج مماثل لخرطوش تيماء يحمل اسم الملك رمسيس الثالث، ويتجه الطريق إلى رأس خليج العقبة ويمر على موقع نهل ثم موقع تنمية، وقد عثر في كل منهما على خرطوش مزدوج للملك رمسيس الثالث يماثل خرطوش تيماء، كما توجد إشارة في بردية للملك رمسيس الثالث إلى إرساله أناسا لجلب النحاس من بلد مجاور. وأكد الغبان أن اكتشاف هذا الطريق سيشكِّل نقطة تحول في دراسة جذور العلاقات الحضارية بين مصر والجزيرة العربية، مشيرا إلى أنه لم يستخدم لمناسبة واحدة، وأن هناك المزيد من المعلومات سيتم الكشف عنها في المستقبل. وتوقع نائب الرئيس للآثار والمتاحف وجود خراطيش أخرى على مسار الطريق لرمسيس الثالث أو غيره من ملوك مصر، في منطقة حسمي التي تفصل وبطول 400 كيلو متر بين تيماء ورأس خليج العقبة، وتتميز بواجهاتها الصخرية البديعة والصالحة للكتابة والنقش، لافتا إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تعمل على تنفيذ مسح أثري دقيق لهذه المنطقة. وأشار إلى أنه تم العثور في السابق على عدد من اللقى الأثرية الصغيرة المصنوعة بمصر في عدد من المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، مثل: مدافن جنوبالظهران في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وفي الفاو عاصمة مملكة كندة الواقعة في الجنوب الغربي لهضبة نجد، وفي تيماء نفسها، ومعظم هذه القطع عبارة عن (جعلان) من الخزف المغطى بطلاء أزرق تركوازي يعود تاريخها لفترات طويلة مختلفة. وشدَّد الدكتور الغبان على أن قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار يعمل على تنفيذ توجيهات الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، بإبراز البُعد الحضاري للمملكة العربية السعودية وصلاتها الحضارية، ودورها في الحوار والانفتاح على حضارات العالم القريبة والبعيدة عن الجزيرة العربية في مختلف العصور. وبيَّن أنه لتحقيق هذا التوجه نفذت الهيئة الكثير من البرامج البحثية والأعمال الميدانية الأثرية من خلال فرق محلية ودولية متخصصة، وباستخدام أساليب علمية وفيزيائية حديثة للتحليل والتأريخ والمسح والاستكشاف، وقد أسفرت هذه الأعمال عن نتائج مقترنة بأدلة أثرية مادية، ومعلومات تضيف الكثير إلى معرفتنا السابقة عن هذا الموضوع، وهذا الكشف الذي يتم الإعلان عنه اليوم واحد من سلسلة اكتشافات جديدة سيعلن عنها في حينها تباعا بعد استكمال دراستها والتحقق من جميع الجوانب المرتبطة بها. وأكد الدكتور الغبان أن إبراز العمق والبُعد الحضاري للمملكة العربية السعودية يحظى باهتمام خاص من الأمير سلطان بن سلمان، وينفذ وفق خطة يشرف عليها شخصيا، وتوفر لها الدولة جميع الإمكانات اللازمة. وأوضح أن الجزيرة العربية، وبحكم موقعها الجغرافي، كانت دوما أرضا للحوار والالتقاء والتبادل السلمي بين الحضارات عبر جميع العصور، مشيرا إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للحوار بين أتباع الأديان والثقافات انطلقت من المملكة العربية السعودية تجسيدا لهذا التقليد العريق الذي يميِّز الدور الحضاري للجزيرة العربية. وفي نهاية المؤتمر الصحفي، أعرب نائب الرئيس للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور علي إبراهيم الغبان، عن شكره لكل من أسهم في هذا الاكتشاف من منسوبي قطاع الآثار والمتاحف، وأصدقاء الآثار المتعاونين مع الهيئة ومن مكتب آثار تيماء وجامعة الملك سعود.