المسافة المكانية بين سواحل غزة وبين كل متر عربي، جعلت الحياة الافتراضية أكثر قربا من الحقيقة. عبر (فيسبوك) عبّر الكثير عما يجول في خاطرهم؛ بعضهم رفع مؤشر الغضب، وبعض آخر ركب الموجة كنوع من التقليعة الفكرية التي يجب ركوبها، وبعض ثالث لا يتابع نشرات الأخبار فلم يدرك ما يحصل. سكان دولة (فيسبوك) بكثافتها السكانية، كانوا يشنون حربا افتراضية بالصورة وبالفيديو، وعبر الضغط على زر LIKE، في زمن لا يمكن الضغط فيه على زر آخر. رانيا الكواري كانت ترى عبر صفحتها أن الرجولة التي رأوها في الدراما التركية حقيقية وليست مجرد تمثيل، بينما لم يجد عبد الله الريان ما يقوله سوى توظيف الكوميديا السوداء في قوله: "لازم نسامح إسرائيل". وفي صفحة أخرى، كانت المصورة الفلسطينية مي شاهين تعيد اكتشاف نظرية نيوتن التي تقول (لكل فعل ردة فعل)، لكنها أكدت بعد مراجعتها للنظرية أن نيوتن لم يزر المنطقة العربية كي يكتشف خطأ نظريته، أما مستشار العلاقات العامة أحمد حمود فقال: "أنا أحمد .. غير مسلح وغاضب".. بينما كان مقدم البرامج على قناة (الجزيرة) الإعلامي السعودي علي الظفيري يقوم بتحديث الأخبار لسكان (فيسبوك)، وكأن هناك (جزيرة) موازية افتراضية داخل الشبكة الاجتماعية؛ قال: "الشيخ رائد صلاح بخير"، في وقت كان من المؤكد فيه أنه استشهد. إلا أن الشيء الأكثر ملاحظة في يوم مأساة السفينة التركية، أن الناشطين الافتراضيين استبدلوا صورهم الشخصية بالعلم التركي وصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وانتشرت جملة (Teşekkürler Türkiye) أي "شكرا تركيا" باللغة التركية. لقد كان يوما تركيا بامتياز، بل تجاوز الأمر أن العلم التركي كان أكثر شعبية من العلم الفلسطيني.. قال خالد السعيد: "الصيف المقبل كلنا في إسطنبول.. ادعموا السياحة التركية"، بينما كانت هدى صالح مقدمة برنامج (خمسة) على قناة دبي الفضائية بعيدة كل البعد عن المناخ المتوتر فقالت ببراءة: "أنا في المنزل.. مسترخية "، ليصب من هم في قائمة أصدقائها غضبهم عليها، وسألوها: "لو علمت ما حدث في غزة لما استرخيت ".. أجابت: "ماذا يمكن أن أفعل لهم؟"، فرد أحدهم: "اشربي على الأقل قهوة تركية".. رغم بساطة جواب هدى، إلا أنه يكشف عن تراكمات العادة من رؤية الدم حتى أصبح الحد الأدنى هو عدم الاكتراث، مثل خبر (عناوين) يوم أمس عن احتمال الهجوم على غزة في كأس العالم، حيث لم يتجاوز عدد قرائه ال 200، بينما خبر قيام الهيئة بإلقاء القبض على شاب وفتاة في خلوة غير شرعية يحقق ألوف القراء. اختلاف المعايير، والحد الأدنى من اللامبالاة يمكن أن تلاحظه عبر الحياة الموازية للحياة التي نعيشها، أي في (فيسبوك)، الذي أصبح حياة حقيقية يلخص ما نقوم به في حيزنا الجغرافي.. هذا ما عبر عنه الإعلامي علي الأعرج، مدير محتوى الإنتاج في (إم بي سي)، حيث قال بعد ذلك في صفحته: "شفرات جيليت تنسحب من الأسواق العربية.. لا وجود للرجال".