قبل بضع سنوات كنت مسؤولا عن لجنة إعلامية معنية بمؤتمر طبي يُقام في الرياض، وكان على اللجنة العلمية أن تُصدر توصيات المؤتمر بعد انقضاء أعماله. زودني رئيس اللجنة العلمية بقائمة التوصيات لنشرها عبر الصحافة، وحين قرأت في إحدى فقراتها "الرفع للجهات المختصة والمعنية حول كذا وكذا..."، التفت إلى رئيس اللجنة العلمية وقلت له بهدوء: من هي تلك الجهات التي سترفعون لها هذه المسائل يا دكتور حتى يمكن إدراجها والإشارة إليها في بيان التوصيات "العلمية"؟! بدا أن الدكتور تفاجأ بالسؤال وظهر عليه بعض الارتباك الذي حاول أن يخفيه، ثم قال: تصدق!.. لم نفكر في الجهات المعنية تحديدا. بيد أنه عاد واستدرك قائلا: لكنها لن تخرج عن وزارة الصحة، الشؤون الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم، وربما المؤسسات الصحية الأخرى التي تقع خارج نطاق وزارة الصحة، بسبب طبيعة الموضوع الصحي الذي تناوله المؤتمر. ثم سكت برهة ليفرج عن ابتسامة بدت خجولة مضيفا: واكتب يا حمود بعد سرد الجهات التي ذكرناها جملة "والجهات ذات العلاقة" حتى لا ننسى أحدا! تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ خبرا صحافيا يقول: "أكدت وزارة العمل تعرّضها لضغوط ممن تصفهم ب "بعض الفئات" لتعطيل تنفيذ قرار قصر وظائف البيع في محال المستلزمات النسائية على المرأة السعودية"، (عكاظ 18 أبريل 2010). هذا النص لم يرد في توصية مؤتمر علمي أقصى طموح منظميه أن يعلنوا توصيات هدفها الرئيس النشر الإعلامي وتسجيل حضور شكلي أمام المسؤولين. النص السابق ورد في تقرير "رسمي" مرفوع من وزارة العمل إلى مجلس الشورى! حين قرأت هذا الخبر تساءلت: من هي يا ترى "بعض الفئات" التي قصدتها وزارة العمل في تقريرها الرسمي؟! هل هي معلومة للوزارة أم مجهولة؟! وانهالت الأسئلة تترى: إن كانت "بعض الفئات" معلومة.. لماذا لم ينص عليها التقرير "الرسمي" المرفوع لجهة تشريعية رسمية حتى يمكن معالجة المعضلة؟! وإن كانت مجهولة كيف عرفت الوزارة بوجود تلك "الفئات" أصلا وهي لا تعلم حقيقتها؟! بعد تساؤلات لا تنتهي.. افترضت أن التقرير الرسمي تضمن إشارة في نهايته أو "توصية"، من التوصيات إياها، تشرح المقصود. قلت: لا بد من أن "التوصية" الإلحاقية تقول إنه يجب التواصل مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقبض على السحرة الذين استخدموا ووظفوا الجن، وهم المقصودون ب "بعض الفئات" المعطلين تطبيق قرار صادر من مجلس الوزراء قبل أكثر من خمسة أعوام يهدف إلى تمكين المرأة السعودية من البيع في محال المستلزمات النسائية حفاظا على كرامتها التي تريد "بعض فئات الجن" النيل منها! عند تلك الاستنتاجات شعرت براحة وطمأنينة وقلت لنفسي الأمّارة بالسوء: وزاراتنا ومؤسساتنا المختلفة لا تكتب تقارير "أي كلام"..! حمود الزيادي العتيبي [email protected]