الرحلة إلى عمق الصحراء حيث كثبان الرمل الممتدة بلا مدى، هادئة وممتعة وتدعو للتأمل والأسترخاء، وسمفونية عذبة للجسم والحواس، عندما تتأمل بعينيك كثبان الرمل التي تشبه البحر، تشعر عندها بالعجب والدهشة التي تسري في أوصالك، تتخيل الشمس إذا أنحدرت إلى مغربها، وكذا حبات الرمل بمداها الواسع، قلنا وأصحابي سنذهب لعمق الصحراء حيث الرمل الكثيف الذي يشبه البحر. كانت الرحلة ممتعة وغاية في التنظيم والدقة والألفة والاحترام، أفترشنا الرمل، ومشينا فوقه بأقدام حافية، المكان كان مميزاَ، والهواء عليل، والصحبة فاخرة، كثبان الرمل وسط الصحراء لوحة آخاذة، تنعش الأرواح، وتوقظ القلوب، وتنقل الإنسان إلى حالة مغايرة، في الصحراء وفي وسط الكثبان الرملية، تشعر بالهدوء بعيداَ عن المدينة وضجيجها، حيث العين تنعم بجمال الرمال الذهبية وتشكيلاتها التي تضاهي في جمالها أبهر لوحات الرسامين، منظر الرمل يأخذك حيث اللامنتهى، نحو الرحيل المطلق، والتأمل اللامتناهي، وعلى وقع تقطيعات الرمل والجمر والشاي المعتق، ينبثق صوت السامري والهجيني، حيث الأصوات تنساب رقراقة بين اللحن والكلمة، منظر الرمل يمنح أصطفاء روحياَ، ورائحة الليل فيه مثل أقحوانه شذاها فاتن، للرمل غوايات تستهوى، حيث الحلم والأمل وسرد الحكايا والهاجس والقصيد، معه يحدث الأمتزاج راسماَ ملامح الماضي بكل تجلياته. مع الرمل تصبح كأنك عرافاَ تسبر أغوار الماضي الدفين، محاولاَ تفكيك جزيئياته وتكوين لغة شاعرية فذة ومغايرة، تحتوي تراكيب وأسس وعناصر حيوية لأكتمال قصيدة فاتنة، بجودة مفردة، وأتقان تصوير، وغزارة ثقافة، منظر الرمل في النهار والليل يوظف القلب، ويجعل الذاكرة مليئة بمقاطع أزمنة عتيقة، تجيء هكذا بلا مقدمات، حيث الغزل والأشتياق والظفيرة الفاتنة برائحة الحناء، والرحيل المر مروراَ بتضاريس وعرة، وتيه وجفاف، وريح وعاصفة، والبحث عن نبع يعالج الظمأ، ويرد للروح العافية، مع الرمل يصبح الإنسان مغايراَ حتى أنه يذوب فيه ويمتزج معه، ليصير تارة بذوراَ، وتارة جذوراَ، وما بين البين بخوراَ أصيلاَ ينفذ إلى رئة أليم لتنفتر في رأسه مضارب البدو، ورقصة الإنتشاء، وقصيد الحداء، الرحلة إلى أرض الرمل مع صحبة أنيقة وفاخرة تحيلك إلى إنسان آخر غير الذي أنت، لتعود من تلك الرحلة بروح مغايرة، وذكريات خالدة، تستقر في الروح والقلب والذاكرة.