يستخدم الكاتب المصري خالد البري مصطلح «فريق اسطنبول» ومصطلح «الإعلاموباما»، وهذا الأخير هو مركب من كلمتين «الإعلام» و«أوباما» في إشارة واضحة إلى المؤسسة الإعلامية النافذة المساندة لسياسات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كما يستخدم الكاتب الآخر مصطلحاً آخر هو «السرد معدوم الأدلة» evidence-free narrative، في بحث شيق نشره أخيراً بعنوان: «كيف دخل إلى هناك وكيف خرج إلى هنا.. جمال خاشقجي المفقود في الترجمة»، وهذا المصطلح الأخير نقله من كاتب أميركي شهير هو شون ديفيز. وفي هذا البحث (هو يسميه رواية صحافية) يستقصي الكاتب جملة من تغطيات الإعلام الأميركي والعالمي حول قضية مقتل جمال خاشقجي رحمه الله، وكيف أن هذه التغطيات التي ركزت في هجومها على السعودية، إنما كانت تسعى لإحياء فريق اسطنبول وتلميع حلفاء عهد الرئيس أوباما، وهو العهد الذي شهد فيه الشرق الأوسط (العربي) أكثر السنوات دموية، كما يقول الكاتب. ويعرف العرب أن هذا العهد الأوبامي هو الذي شهد ظهور مصطلحات وخطط «الشرق الأوسط الجديد» و«الفوضى الخلاقة»، كما أنه هو العهد الذي شهد ظهور «داعش»، كما هو العهد الذي تم فيه إبرام الاتفاق النووي مع إيران ومن ثم إطلاق يدها في المنطقة. ويشير الكاتب في هذا المجال أن وسائل «الإعلاموباما» ما زالت تسمي الإخوان المسلمين الذين اعتصموا في ميدان رابعة العدوية وتسببوا في مأساة إنسانية بلفظ «مناصري الديمقراطية»، ولعلنا نتذكر في هذا السياق أن الإدارة الأميركية في عهد أوباما كانت أكثر من صدم وشعر بالهزيمة من سقوط الإخوان المسلمين في مصر وقيام الثورة ضد حكمهم. المهم أن الكاتب يتتبع في بحثه قطع الأحجية في تغطيات «واشنطن بوست» حول قضية جمال خاشقجي، والردود عليها بما يوضح أن الصحيفة الشهيرة، لم تكتف بالتعاطف مع جريمة قتله والمطالبة بمعاقبة الفاعلين كما يسعى الجميع حول العالم، ولكنها تتعدى ذلك إلى تزوير في الحقائق بما يدعم توجهها لتلميع «فريق اسطنبول» ومهاجمة السعودية، وأول هذه الأكاذيب هي ما كان جمال خاشقجي رحمه الله نفسه ينفيها وهي أنه رجل علماني ليبيرالي وأنه ليست له علاقة بالحركات الإسلامية الجهادية، وثانيها هي تصويره بأنه معارض خطر للدولة السعودية. ويتساءل الكاتب: إذا كانت واشنطن بوست تعرف تاريخ جمال خاشقجي فلماذا استكتبته في الأساس؟ ومازلت أشك في أن جمال كان يعرف أنه استخدم أداة في معركة ضد بلده وهو حي، ثم أصبح سلاحاً ضدها بعد مماته. ويشير الكاتب إلى أن «الإخوان الجدد» الذين نشأوا في أحضان قطر ويقودهم أردوغان حالياً هم أكثر المتحمسين لمشروع «الشرق الأوسط الجديد» بقيادة تركيا، ويستشهد في ذلك بتغريدة لطارق الزمر، ويقدم هؤلاء المشروع تحت عنوان إحياء الخلافة الإسلامية، بينما يقدمه الإعلاموباما باسم الشرق الأوسط الجديد، وبالتأكيد لا ننسى أن أردوغان نفسه أعلن بعد زيارة لواشنطن أنه أصبح شريكاً في هذا المشروع. ومن السياق يتضح أن أكثر من يتعرض للهجوم من «التسريبات التركية» والواشنطن بوست ورصيفاتها، هم من يقف بصلابة ضد المشروع بوجهيه الأميركي والإخواني، وبشكل أكثر وضوحاً المملكة العربية السعودية وبشخص ولي عهدها الأمر محمد بن سلمان، وهم الذين يصفهم الكاتب خالد بري بمحور الرياض والقاهرة وأبوظبي، ويقول بأن الصراع ليس، كما يصوره فريق اسطنبول وتروج له الواشنطن بوست، بين الديمقراطية والاستبداد، بل هو صراع بين «مشروع توسعي امبراطوري وبين دول وطنية ملتزمة بحدودها». ونقل موقع سي إن إن عن أيهم كامل رئيس مجموعة يوروآسيا قوله ان تركيا تستخدم هذه التسريبات «لتوسيع نفوذها في المنطقة والتأكد أن البزوغ السعودي يتم احتواؤه»، ثم يمضي قائلاً: «الأجندة التي قدمها محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) فيما يتعلق بالسياسات الخارجية تتركز على العرب، الأمر الذي لا يحتوي النفوذ الإيراني وحسب بل أيضا النفوذ التركي، وعليه فإن بروز المملكة العربية السعودية كقائد للعالم العربي لا يتماشى بالضرورة مع المصالح الاستراتيجية التركية». وتأتي شهادة هامة من وزير الخارجية التركي السابق ياشار ياكيش والذي عمل سفيراً لبلاده في الرياض، إذ قال في حديث تلفزيوني لشبكة RT انه لا يستبعد أن يكون الرئيس أردوغان يعمد من خلال هذه التسريبات وتقديم «الأدلة» بالقطارة إلى أنه يريد الاحتفاظ بأوراق للتفاوض ولتحقيق بعض المكاسب ومنها المتعلقة بتسليم المعارض عبدالله غولن من أميركا، وقال أيضاً ان الأدلة الأكثر أهمية هي في يد المحققين السعوديين. مسلسل التسريبات وأسلوب التلميح والتصريح المنطلق من اسطنبول ما زال مستمراً، وما زالت أصداؤه تتردد في الواشنطن بوست، فبعد بيان النائب العام السعودي الذي أوجز نتائج التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة مع المتهمين، وأوضح أنه تم توثيق اعترافات بعضهم ومطابقتها ببعضها البعض، وبالتالي تم توجيه الاتهام لهم وأنهم سيقدمون للمحاكمة، كما قال أيضاً ان النيابة العامة ما زالت تطالب الجانب التركي بتزويدها بما لديها من أدلة بما فيها التسجيلات الصوتية حتى يكتمل التحقيق، خرج إلينا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بتصريح يقول فيه بأن بيان النائب العام السعودي «غير مرض»، وكرر مطالباته بإجراء تحقيق دولي أو تسليم المتهمين لمحاكمتهم في تركيا، وهو الأمر الذي يختلف فيه معه السيد ياكيش بصورة مطلقة بحيث قال انه لا يجب على تركيا المطالبة بذلك، لأن هذا إجراء سعودي وخاص بالمحاكم السعودية. أما الصدى فجاء من واشنطن بوست مرة أخرى بنشر ما قالت انه تسريب من الاستخبارات الأميركية يرجح مسؤولية ولي العهد السعودي عن الجريمة، وهو الأمر الذي نفته الإدارة الأميركية قطعياً. والخلاصة هي أن الأمر الذي يرضي «الباب العالي» في إسطنبولوواشنطن بوست لن يحدث، وذلك لأنه وببساطة لا وجود له إلا في أمانيهم، وقد يكون أبلغ رد على مولود أوغلو هو استعادة نص خطاب الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى الوالي العثماني التي رواها المؤرخ الأمير سعود بن هذلول. سلطان البازعي (الحياة) الوسوم الباب العالي وزير