انعقاد المجلس التنسيقي السعودي الإماراتي يمكن وصفه بأحد منجزات هذا التحالف العظيم والقوي بين البلدين، هذا التحالف الذي يمكن اعتباره الأصدق والأوثق في التاريخ العربي المعاصر، وهو يحمل في تركيبته كل عناصر التطور والبقاء والاستمرار. كل التحالفات التي شهدتها المنطقة العربية باءت بالفشل بل تحولت إلى أزمات امتدت آثارها السلبية طويلا، مشروع الجمهورية العربية الذي تم الإعلان عنه العام 1958 بين مصر وسوريا لم يلبث أن انفرط بعد ذلك التاريخ بثلاثة أعوام فقط، ومنذ ذلك التاريخ وإلى العام 1978 توالت الإعلانات عن مشاريع وحدوية تهيمن النظرة العروبية والحماس غير الواقعي ولكنها لم تحقق شيئا على الأرض ومنيت بفشل مريع. كانت الأيديولوجيات تهيمن على مختلف تلك الأنظمة ذات التطلعات الوحدوية الحالمة، بل إن كثيرا من تلك المشروعات كانت جزءا من معركة صراع الأيديولوجيات وتسيطر عليها فكرة بناء نموذج موازٍ للخلافة إنما بمعطيات وشعارات جديدة تتسم بالشمولية وغياب الرؤية الواقعية، ولم تستطع أن توجد أي نموذج يوازي بين الدولة ُ القطرية الحديثة وبين تطلعات الوحدة. في العام 1981 ومع ظهور مجلس التعاون الخليجي شهدت المنطقة تجربة جديدة ونوعية في مسار التحالفات الواقعية، كان المجلس رؤية جديدة في العمل المشترك يحافظ على الدولة الوطنية الحديثة بصفتها كيانا قائما ومستقلا وفي ذات الوقت يؤسس لها دورا جديدا فاعلا في محيطها يحافظ على مصالحها ويمكنها من الإسهام في بناء وحفظ مصالح الإقليم وتوازناته باتجاه المصالح المشتركة الواعية والواقعية. لقد استدعى ذلك محاولات بعض الحكومات العربية لاحقا إقامة تحالفات مماثلة إلا أنها ولكونها محملة بأخطاء تلك الكيانات لم يكتب لها النجاح وما لبث أن انفرطت. أحداث العام 1990 أوجدت دورا محوريا للمجلس، لكن أحداث العام 2011 وما تلاها أفرزت نشاطا غريبا في المنطقة تورطت فيه الدوحة إضافة إلى قوى إقليمية ودولية متنوعة. وسط ذلك الخراب الذي خلفته أحداث الفوضى في المنطقة العربية كانت كل من السعودية والإمارات الرهان الوحيد لإنقاذ المنطقة وإعادة العمل على الاستقرار، وقد توفرت فيهما كل العوامل التي تجعل من البلدين رهانا وحيدا وقادرا على تجاوز كل ذلك، وعلى إعادة الاعتبار للدولة الوطنية العربية بعد انتشار الطائفية والميليشاوية التي مهدت لها تلك الأحداث. تشترك السعودية والإمارات في إبراز قيمة افتقر إليها العمل السياسي العربي منذ انتهاء حقبة الاستعمار وهي الواقعية السياسية، التي تنطلق من استيعاب معنى الدولة الوطنية الحديثة ودورها في محيطها وفي العالم. واقعيون جدا حيويون أيضا، ولذلك استوعبنا فورا أن أول خصم ومهدد لنا هي السياسات غير الواقعية والكيانات المرتهنة لها والجماعات الأصولية الساعية للسلطة. التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن ليس إلا واحدا من تجليات تلك العلاقة وذلك الحلف، خاصة أن ما شهده اليمن في سنواته الأخيرة يمثل بعضا من آثار ما خلفته الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ العام 2011. أسست السعودية والإمارات لحالة من الاعتدال السياسي العربي، وقدمتا نماذج للعالم تعكس واقعا وأملا جديدا في المنطقة العربية التي أوشكت في فترة ما على توالي الانهيارات واهتزاز منظومة الدول الوطنية، وجاء الوقت اليوم لتؤسسا لمشروع مواز هو الاعتدال الفكري وتعزيز الوعي المدني. التحديات التي تواجهها الرياض وأبو ظبي يمثل التطرف عاملا مشتركا فيها، سواء تطرف الكيانات الذي تمثله إيران أو تطرف الجماعات الذي تمثله حركات الإسلام السياسي، وحتى التحديات الداخلية لدى البلدين إنما تنطلق في الغالب من هذين العنصرين: التطرف وغياب الوعي المدني. إن النجاح الذي حققته السعودية والإمارات في بناء الاستقرار السياسي يجعلهما الأقدرين على تبني وقيادة مشروع حقيقي ومستقبلي للاستقرار الفكري والاعتدال ومواجهة التطرف وتعزيز الوعي المدني الحضاري. في الأسبوع المقبل: كيف يمكن بناء هذا المشروع وما أبرز ملامحه. يحي الأمير (عكاظ) الوسوم الإمارات السعودية