قالت جريدة أخبار الخليج البحريني تعليقاً على قرار المملكة بشأن مجلس الأمن في مقال للسيد زهرة: أقدمت السعودية على خطوة احتجاجية غير مسبوقة حين رفضت إلقاء كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة احتجاجاً على عجز مجلس الأمن عن التحرك وخصوصاً في قضية فلسطين والأزمة السورية. وأمس الأول, أقدمت السعودية على خطوة احتجاجية أكبر حين اعتذرت عن قبول عضوية مجلس الأمن التي فازت بها. وقد حرصت السعودية حين أعلنت هذا القرار على أن تشرح الأسباب المحددة التي دعتها إلى ذلك في البيان الذي أصدرته, وهي أسباب واضحة وقوية. السعودية بررت قرارها بسببين جوهريين: الأول: إن مجلس الأمن بسبب ازدواجية المعايير وآليات العمل عجز عن تحمل مسئولياته تجاه الأمن والسلم. وأشار البيان السعودي تحديداً إلى ثلاث قضايا كبرى عجز فيها مجلس الأمن عجزاً كاملاً, هي القضية الفلسطينية التي مازالت من دون حل منذ خمسة وستين عاماً, والعجز عن جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل, والعجز عن التعامل مع جرائم النظام السوري بحق الشعب. والثاني: ان هذا العجز كان في حد ذاته سببا لتقويض الأمن والاستقرار في العالم واتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق. والعالم كله يعلم أن الأسباب التي ساقتها السعودية لرفض عضوية مجلس الأمن على هذا النحو هي أسباب صحيحة تماماً وان هذا هو واقع الحال بالضبط. الحادث انه عبر العقود الماضية, انتهى الأمر بمجلس الأمن الدولي إلى أن أصبح مجرد أداة بيد القوى الكبرى في العالم تستخدمها لخدمة مصالحها فقط, وكأداة مساومة بين هذه القوى. انتهى الأمر بالمجلس إلى أن أصبح أداة لتكريس الظلم في العالم, والدفاع عن سياسات ومواقف استعمارية, ولإلحاق الأذى بالشعوب. وقد استطاعت الولاياتالمتحدة بالذات أن تهيمن بالكامل على مجلس الأمن وأن تجعل منه مجرد مؤسسة ملحقة بالخارجية الأمريكية. عن طريق الفيتو, وعن طريق الإرهاب السياسي الذي تمارسه على دول العالم الأخرى, حولت أمريكا مجلس الأمن إلى أداة أمريكية تعاقب بها من تشاء من الدول والشعوب, وتحمي بها من تشاء من قوى عدوان مجرمة كالعدو الإسرائيلي. والذي حدث أن العرب والمسلمين بالذات هم الذين دفعوا ثمن ما انتهى إليه مجلس الأمن على هذا النحو. العرب والمسلمون كانوا دوما هم ضحايا هذا المجلس, ودفعوا ثمنا فادحا من استقلالهم وسيادتهم, وكانوا ضحايا جرائم مروعة ارتكبتها القوى الكبرى والقوى العدوانية. لم يحدث أن أنصف مجلس الأمن العرب والمسلمين في أي قضية عادلة من قضاياهم, ولم يمنع عنهم عدوانا ظالما ولا جريمة ارتكبت بحقهم. ليس هذا فحسب, بل ان المجلس تحول بحد ذاته إلى أداة ظلم للعرب والمسلمين وعدوان عليهم وتستر على الجرائم بحقهم. ما الذي فعله المجلس للشعب الفلسطيني في مواجهة أبشع صور الإرهاب في العالم؟.. وما الذي فعله المجلس في مواجهة ما تعرضت له دول مثل العراق وأفغانستان من جرائم غزو واحتلال وجرائم حرب وإبادة تعرض لها البلدان؟.. وهكذا. ولهذا, لم يكن غريبا أنه قبل سنوات طويلة, انطلقت دعوات تطالب الدول العربية والإسلامية بأن تهدد بالانسحاب من مجلس الأمن ومن الأممالمتحدة كلها. وهي دعوات، لأسباب كثيرة، لم تلق تجاوباً. لكن الأمر المؤكد أن كل الدول العربية والإسلامية منذ عقود تنظر إلى مجلس الأمن كأداة ظلم وعدوان. وفي هذا الإطار, تأتي أهمية هذا الاحتجاج السعودي. هذا الاحتجاج ليس مجرد خطوة رمزية, لكن له أهمية كبرى. أمس, وصف مثقفون مصريون بارزون القرار السعودي بأنه احتجاج ثوري شجاع. وهو بالفعل كذلك. بداية, نظرا إلى المكانة الدولية الكبيرة للسعودية, فهذا الاحتجاج بحد ذاته له قيمة كبرى وأهمية استثنائية. هذا الاحتجاج يفضح مجلس الأمن ويفضح القوى الدولية الكبرى التي تستخدم المجلس كأداة ظلم للعرب والمسلمين, وينبه العالم كله إلى حقيقة المجلس ودوره. وهذا الاحتجاج ينبه العالم كله إلى أنه آن الأوان لفتح الملف المسكوت عنه، والذي لا تريد القوى الكبرى أن تفتحه.. ملف ضرورة إصلاح مجلس الأمن جذرياً بحيث يمكن أن يؤدي دوره بالفعل في حماية الأمن والسلم في العالم في مواجهة العدوان والظلم. هذا الإصلاح الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء هيمنة هذه القوى على المجلس عبر الفيتو التعيس. وهذا الاحتجاج ينبه الدول العربية والإسلامية إلى ضرورة ألا تقف صامتة في مواجهة ما تتعرض له من ظلم من مجلس الأمن ومن هذه القوى, وضرورة أن تتحرك وتعلن احتجاجها ورفضها بشكل يصل إلى العالم كله. وليس خافيا أن هذا الاحتجاج السعودي له أهمية استثنائية اليوم في ظل ما نشهده من توافقات بين القوى الكبرى ومن صفقات يجري الحديث عنها في الخفاء, وكلها تستهدف دولنا العربية والإسلامية وتنطوي على تآمر عليها وعلى مصائرها.