استضاف مركز الملك عبدالله للمعارض والمؤتمرات بالرياض الأسبوع المنصرم فعاليات معرض ومؤتمر وورش عمل المؤتمر الذي أقامته وزارة التعليم العالي. يأتي تنظيم المؤتمر لتطوير التعليم العالي عبر مد جسور التبادل المعرفي والعلمي والثقافي بين مؤسسات التعليم العالي لدينا – ممثلة بصورة رئيسية في الجامعات – ومثيلاتها في عدد من دول العالم التي سبقتنا بأشواط في هذا المجال. وحسنا فعلت الوزارة فقد قرّبت البعيد ويسّرت الصعب لكثير من رواد المعرض. ولعل المستفيد الأكبر من هذا المؤتمر هم أولئك الباحثون عن مواصلة الدراسة بالخارج وقد أتتهم هذه الفرصة على طبق من ذهب. إنه لبون شاسع إن لم يكن فلكيا بين الصورة الوردية المنمّقة الجميلة التي يرسمها الإعلام في المعرض وبين الواقع الحي الذي تعيشه الجامعات. بداية إذا كان حسن المظهر وتحسين الصورة ثقافة يبدو أنها قد تأصلت في أجهزة ومؤسسات الدولة فلابد أن تعبر هذه الصورة عن واقع الجامعات قولا وفعلا، وإلا فإن ذلك لايعدو أن يكون إنفاقا وهدرا للإمكانيات في غير محله ما يسترعي الانتباه في المعرض هو التباين الصارخ بين عرض الجامعات السعودية من جهة وبقية الجامعات من مختلف دول العالم من جهة أخرى. يثير تصميم أجنحة الجامعات السعودية الحكومي منها والخاص ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية – باستثناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الغائب الأكبر عن هذه التظاهرة لأسباب مجهولة – أسئلة جوهرية حول عمل مؤسسات الدولة ممثلة هنا في إحدى أهم مؤسساتها من حيث الاستعداد وطريقة العرض والشكل والمضمون. فقد تبارت الجامعات السعودية فيما بينها لكي تظهر كل جامعة مالديها من إمكانات في تظاهرة حاشدة لما يمكن للمال والخيال فعله. وهناك شبه إجماع على أن جناح جامعة الدمام قد حاز على قصب السبق في هذه التظاهرة العرس. ونحن هنا نهنئ القائمين على تصميم الجناح وتنفيذه وكافة منسوبي الجامعة كمؤسسة تعليمية وأهالي المنطقة الشرقية عموما على هذا الإنجاز الذي أبهر زوار المعرض بحق. مقابل هذا العرض الأخّاذ في الرفاهية والإبهار ترى بقية الجامعات المشاركة في المعرض ومنها عدد لا بأس به من أعرق جامعات العالم وقد اكتفت بطاولة وكرسي في مربع لاتتجاوز مساحته تسعة أمتار مربعة في عرض بالغ البساطة. وعندما تتصفح الدليل التعريفي بالمعرض لهذه الجامعة أو تلك فإنك لتندهش وتفاجأ بمكانة الجامعة مع تواضع طريقة عرضها. فهذه جامعة طوكيو المشهورة بأبحاثها الحائزة على جائزة نوبل في مجالات الفيزياء والأدب والسلام، وهذه جامعة ادنبرج في بريطانيا التي تحتل المركز الخامس أوروبيا والعشرين عالميا، وهذا معهد ( ماكس بلانك في ألمانيا المسمى باسم عالم الذرة الألماني الشهير) وقد حصل منتسبوه على17 سبع عشرة جائزة نوبل، وهذه جامعة ( ام سي جيل في كندا) التي يوجد في حرمها الجامعي خمسة متاحف كجزء حيوي من العملية التعليمية للجامعة، وهكذا دواليك. المقارنة هنا ظالمة بين عراقة تلك الجامعات وبين جامعاتنا التي لم يتجاوز عمر بعضها بضع سنوات. إنه لبون شاسع إن لم يكن فلكيا بين الصورة الوردية المنمّقة الجميلة التي يرسمها الإعلام في المعرض وبين الواقع الحي الذي تعيشه الجامعات. بداية اذا كان حسن المظهر وتحسين الصورة ثقافة يبدو أنها قد تأصلت في أجهزة ومؤسسات الدولة فلابد أن تعبر هذه الصورة عن واقع الجامعات قولا وفعلا، وإلا فإن ذلك لا يعدو أن يكون إنفاقا وهدرا للإمكانيات في غير محله. صور هذا التناقض كثيرة ومتعددة ولنا فقط أن نتخيل كيف سيكون حال مدننا الجامعية في كافة أنحاء البلاد من مبان وطرقات للمركبات والمشاة وساحات وقد نفذت بنفس أفكار وجودة أجنحة العرض في المؤتمر. إذا كانت الجامعات قادرة على إخراج أجنحة – كل منها أجمل من الآخر – فلماذا تعلو مدننا الجامعية مسحة من الكآبة في المظهر والتصميم. يبدو أن الجامعة باعتبارها نسخة مصغرة عن جهاز الدولة ترى جهاز الإعلام فيها أقوى الأجهزة. وفي وضع كهذا – وهو وضع لا يتم العمل بموجبه في المؤسسات الأكاديمية العريقة – فإنه لا مناص من الموازنة بين الصورة التي يرسمها الإعلام للجامعة والمهمة الأساسية المنوطة بها. وهي مهمة لايمكن لأي جامعة أن تفرط بها إذا ما أرادت أن تكون فعلا منارة إشعاع وعلم ومعرفة. قد لايكون تحقيق ذلك بالسهولة المطلوبة لكنه عصر الإصلاح الذي نعيشه الأن والذي يجب استغلاله على أكمل وجه. [email protected]