تمتلك النفس البشرية طاقات كامنة من المواهب والقدرات التي تؤهلها لبلوغ درجة الإبداع والتفوق، فالمرأة صنو الرجل وشقيقته في بناء المجتمع وتنميته، وعليها وظائف متعددة، فهي الأم الحنون، والمربية المجيدة، والمعلمة الفعالة، والطبيبة الماهرة، والإدارية الناجحة، والداعية المؤثرة، فالمرأة الصالحة تتمتع بقدراتها الإبداعية، وتوجهها لتربية أبنائها وتنمية مجتمعها. فالطاقة الإبداعية لعقل الإنسان مصدر غني بالطاقات الخام التي لا تنضب، فضلا عن المهارات الإبداعية التي يمكن أن نتعلمها ونتدرب عليها. فالمرأة في واقع المجتمع بين حالتين: الأولى إما مأسورة للعادات والتقاليد الاجتماعية، وذلك بحسب البيئة التي تعيش فيها، فتتعامل بنمطية معينة في التفكير، تتنفسها منذ الصغر، فتكاد تتجمد عليها، فينضب التفكير، فتتراكم المشاكل اليومية، وتنحصر قضية المرأة بين العنف وحق البقاء. والثانية: أن تستثمر الطاقات الكامنة بالإبداع في التفكير، وهي ضرورة ملحة لمواجهة المتغيرات والأمواج العاتية من الفتن والأزمات، ويمكن إجمال بعض الأمثلة للمرأة المسلمة في التفكير الإبداعي بما يلي: أولا: يرى علماء النفس والتربويون أن المرأة المبدعة شخصية تمتلك مجموعة من القدرات الظاهرة والسمات الباطنة المنعكسة على السلوك، وذلك بعد تأدية العبادات على الوجه المطلوب، قال الإمام السيوطي في مقدمة كتابه الذوق السليم: «اعلم بأن الذوق السليم نتيجة الذكاء المفرط، والذكاء المفرط نتيجة العقل الزائد، والعقل الزائد سر أسكنه الله في أحب الخلق إليه، وأحب الخلق إليه الأنبياء، وخلاصة الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم» (السيوطي، جلال الدين بن عبدالرحمن، الذوق السليم، كتاب منشور على الشبكة العنكبوتية). فالمرأة المسلمة المبدعة لها مزايا عالية وقيم سامية مثل: 1-التفاؤل: وهي النظرة الطيبة للأمور، والكلمة الحسنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (ويعجبني الفأل: قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الطيبة) (أخرجه البخاري)، فالتفكير الإبداعي يحتاج إلى هذه الكلمة الطيبة ليندفع بحماس وحكمة نحو الهدف المراد تحقيقه، مع إيمانه اليقيني بالقضاء والقدر خيره وشره. فالمرأة الصالحة مهما بلغت من المهارات والقدرات تحتاج لمحضن آمن يوجه مهاراتها نحو الإبداع، ويسدد طريقها نحو العطاء بحكمة ومحبة. 2- المرونة في التفكير: وهي القدرة على التكيف السريع مع المواقف والمشاكل الطارئة، وذلك بأن تمتلك المرأة المبدعة سيلا كبيرا من الأفكار المتنوعة، ويساعدها في ذلك طلاقتها في التعبير عن هذه الأفكار وتصويرها واقعيا، وهذا ما حدث مع النساء الأوائل المؤمنات المهاجرات اللاتي استجبن لأمر الله ورسوله، واستطعن التخلص من ركام الجاهلية والانطلاق في فضاء الدين الجديد. فهذه امرأة سعد بن عبادة بعد أن استشهد زوجها بأحد استولى عم بناتها على ميراثهن، فأتت رسول الله تسأله عن ذلك، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى «يوصيكم الله في أولادكم».. الآية.. النساء: 11 فيقسم النبي صلى الله عليه وسلم ميراث البنتين، وحق الزوجة، والباقي للعم (أخرجه البخاري ومسلم). فسؤال تلك المرأة الجليلة كان سببا لفصل الحكم بنزول آية الميراث إلى قيام الساعة. وهذه لبابة بنت الحارث رضي الله عنها عندما رأت اختلاف الصحابة في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، هل هو صائم أم لا؟ فأرسلت إليه قدحا من لبن وهو واقف بعرفه فتناوله وشربه. وهكذا بحركة مبادرة سريعة قطعت باب الخلاف في أمر صيام النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة. وللحديث بقية..
أ.د. هدى بنت دليجان الدليجان أستاذة الدراسات القرآنية بجامعة الملك فيصل، الأحساء