هي حالة فوضى بامتياز، ومن يدعي غير ذلك فيخالف الحقيقة بامتياز، فوضى مرورية يومية أسهمنا جميعا في صنعها، نحن بوصفنا مواطنين، وبوصفنا مؤسسات حكومية، وكل ما يمكن أن يكون له علاقة مباشرة بما نعيشه في شوارعنا من ملامح مرورية فوضوية بائسة، فوضى اعتدناها حتى اعتدنا انتهاك الأنظمة (شاهرا ظاهرا) كما يقول المثل الشعبي، فوضى دفعتنا لأن نكون ضليعين ومبدعين في ابتكار الحيل واستسهال ارتكاب المخالفات، وانتهت بنا إلى صورة بشعة صاخبة تلطخ شوارعنا، وتشوه مدننا، فهل من حلول ناجعة؟ وإلام سنبقى غير مكترثين، وكأن الأمر لا يعنينا أبدا؟ في ظني أن التوعية والتثقيف من أهم استراتيجيات إدارات المرور، ولا يوازيها في الضرورة والأهمية سوى العامل الثاني وأعني به (الحزم والصرامة) في تطبيق النظام وممارسته واقعا، فمن الملاحظ أننا أمام حالة عامة من التساهل الفوضى نتيجة، ولكن حديثا مثل هذا لا يجب أن يقتصر على النتائج بل يتوجب أن يشمل الإشارة مباشرة إلى المقصرين والمتسببين في هذه النتائج السلبية، ولنبدأ بالمواطن ولا مبالاته، فمن الواضح عامة أن ثقافتنا المرورية لاتزال صفرا، ما أسهم في جعلنا غير مكترثين أو مبالين بما نقوم به من ممارسات خاطئة، وغير معنيين بما يتوجب علينا حيال الشارع وأنظمته، وهي حالة عامة بدأنا نعيشها جيلا بعد جيل، وهذا طبيعي!، طالما أن الخطأ إذا لم يعالج فسوف يتحول حتما إلى عادة مجتمعية سلبية مكتسبة، وهو ما يحدث بالفعل في شوارعنا من كبيرنا وصغيرنا، حتى بدا لي أن عاداتنا اللامسؤولة وممارساتنا السيئة في قيادة مركباتنا أصبحت متسيدة المشهد، وكأننا نتوارثها عن بعضنا البعض، فضلا عن تسابقنا لا على اصلاح هذه الممارسات أو معالجتها بل على تكريسها أكثر، والشواهد الكثيرة، نجدها شاخصة أمام أعيننا في وضح النهار، منها على سبيل التمثيل ، أن عدم اكتراثنا بالأنظمة المرورية انتقل إلى الاخوة الوافدين، فتعلموا منا عدم الإلتزام بها، وعدم الحرص على تطبيقها، حتى أنك لم تعد تستغرب أبدا من وافد يضع مركبته على الرصيف، أو يقطع الإشارة، أو يسير عكس السير، أو يقود مركبة تفتقد لأولويات السلامة، وكيف له أن يكترث طالما وجد الأمور سيان بين أن تلتزم بالأنظمة أو لا تلتزم !!! وإن كنت ألوم المواطن على قلة وعيه وقصور ثقافته المرورية، فاللوم الأكبر أوجهه إلى إدارات المرور التي تسببت في صنع هذه الحالة الفوضوية العارمة في الشوارع، وأظن أن (قصور دورها التوعوي) يكفي، فلا برامج تثقيفية يمكنها أن تعيد صياغة الوعي المروري لدى أفراد المجتمع، عبر القنوات الإعلامية المختلفة، أو اللافتات، أو المطبوعات، أو حتى التوجيه المباشر في الشوارع، وفي ظني أن التوعية والتثقيف من أهم استراتيجيات إدارات المرور، ولا يوازيها في الضرورة والأهمية سوى العامل الثاني وأعني به (الحزم والصرامة) في تطبيق النظام وممارسته واقعا، فمن الملاحظ أننا أمام حالة عامة من التساهل من قبل رجال المرور في شأن تطبيق الأنظمة، بل - وهو ليس من باب المبالغة - لم يعد يدهشك أن بعض رجالات المرور يرتكبون بعض المخالفات وبسياراتهم الرسمية، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، علما بان الإلتزام بالأنظمة هو الضامن الفعلي لإيقاف هذه الفوضى وضبطها، والعكس تماما في التساهل الذي انتهى بشوارعنا إلى تلك الحالة المزرية والبشعة. بقي أن نذكر أن التحضر والمدنية منظومة متكاملة ليس بوسعنا تجزيء مكوناتها، والدول المتقدمة تعتبر الحركة المرورية المنتظمة المنضبطة جزءا لا يتجزأ من تلك المنظومة، لهذا فالمسؤولية مضاعفة علينا كأفراد مواطنين، وكإدارات مرور، إن كنا نعي دورنا في صنع التحضر عن قناعة واصرار، وممارسته شكلا ومضمونا.