دخل رجل في نهاية العقد الثالث من عمره على والده وهو في أول العقد الثامن من العمر استوقفه ذلك المنظر الذي رأى والده عليه كان نائما وهو يحتضن جهاز (ipad) مثلما كان يفعل عندما يغلبه النعاس فيسقط الكتاب الورقي على صدره. الطريف أن ذلك الرجل الذي بدأ تعليمه في الكتاتيب كان من طلاب الدفعة الأولى من جامعة الملك سعود التي كانت تحمل اسم جامعة الرياض، والطريف أن أحد من علموه في الكتاتيب كان زميلا له في الجامعة ويدعى (ابن سكيب) قلة من الكبار هم الذين أقبلوا على الأجهزة الجديدة واستعانوا بها في القراءة والكتابة ولكن ليس هو هذا ما استوقف ذلك الشاب، فذلك المنظر أخذه إلى ما يعرفه بأن والده بدأ تعلمه على طريقة الكتاتيب، لوح الخشب وقطعة من الطين تستخدم كممحاة وحبر سائل يستخدم له قلم خاص يغمس في (دواة) الحبر عدة مرات كلما جف، يا له من أسلوب صعب في التعلم فما يكتب على ذلك اللوح ثم يمسح بالطين يحتاج لفترة حتى يستعيد صلاحياته للكتابة مرة أخرى. الطريف أن ذلك الرجل الذي بدأ تعليمه في الكتاتيب كان من طلاب الدفعة الأولى من جامعة الملك سعود التي كانت تحمل اسم جامعة الرياض، والطريف أن أحد من علموه في الكتاتيب كان زميلا له في الجامعة ويدعى (ابن سكيب). اولئك الذين تعلموا بصعوبة لأن الظروف في ذلك الوقت لم تخدمهم من خيرة من يقدر الكلمة والكتاب والقلم، لقد ظل ذلك الرجل محبا للقراءة والتعلم حتى اليوم يقرأ لا بل يلتهم الكتب التهاما ويقرأ بعضها مرات متعددة لكي يستجلي المعاني والفوائد، هؤلاء هم الذين استفادوا من قراءاتهم فانعكست على حياتهم إيجابا في كثير من الأمور فقد أثرت أفكارهم ومنحتهم الكثير من عمق النظرة. لم يتوقفوا كثيرا عند الشكليات التي قد تحد من تطلعهم للأمام لم يستسلموا لصعوبة العيش في ذلك الزمن ولم ينسوا عقولهم عندما تغيرت الأحوال وأصابهم ما أصاب الناس من رخاء. أعرف من سيرة ذلك الرجل انه حضر دروسا للآباء في تعلم الرياضيات الحديثة عندما طبقت كمنهج رسمي في المدارس وكان يحرص على متابعة تفاصيل دراسة أبنائه، فلما علم بأهمية حضوره لتلك الجلسات العلمية التحق بها ليمد يد العون لابنه. كثيرون هم الذين بدأوا عند الكتّاب واكتفوا به لأنهم صاروا يقرأون ما يلزم ويكتبون عند الضرورة، وقلة هم الذين واصلوا رغم كل الصعوبات المادية والمعنوية في ذلك الوقت. هؤلاء هم الذين لا يرتبطون مع أبنائهم برباط الأبوة فقط وإنما برباط الحرف والفكر الحر الذي يقلب كل صفحات الكتب أيا كان موضوعها لمزيد من الزاد الثقافي، ولهذا جاء أبناؤه الذكور وهم أربعة جميعهم من خريجي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وهم جميعا من القراء الذين لم يكتفوا بتلك الشهادات المتخصصة وكذلك هو الحال مع ابنتيه اللتين تخرجتا في الجامعة نفسها التي تخرج فيها والدهما.. حياة عقلية صحية ذلك المنظر الذي رأى فيه الشاب والده يختصر حياة طويلة بين لوح الكتاتيب ولوح الآي باد، وأي حياة.. هي رحلة لو تتبعناها جيدا عند من نجحوا في استثمارها لأدركنا الكثير من حكمة الحياة. Twitter: @amalaltoaimi