من لعبة (القُمَّيْمَةِ) الأولى تعلَّمتُ الهروبَ من الحقيقة كي أخبِّئني وراء الرمز عن نفسي.. تَعَلَّمْتُ الدروبَ إلى المجاز لأختفي في الضفَّة الأخرى من الكلمات... لا شكَّ أنَّ هناك علاقة خاصة تجمع بين الشعر والطفولة.. بل هناك من يقول بأنّ لغة الطفولة هي لغة الشعر الحقيقية لأن الشاعر دائما ما يغترف من مياه بئر طفولته الأولى كي يسقي حقول تجربته الشعرية أكثر مما يغترف من مياه آبار المراحل الزمنية الأخرى التي يمرُّ بها. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الكتابة الشعرية تُعتبر لعبة فَنِّيَّة بين اللغة والمشاعر والوعي، وإن كانت لعبة جادَّة لا تخلو من دهاءٍ جميل ينكشف عن سحر البراعة في السيطرة على القصيدة. في ذات الوقت، فإنّ اللعب يمثِّل أحد مكونَّات الطفولة.. تلك التي لا نشعر باكتمالها من دون هذا اللعب. ولعلَّ لعبة (القمَّيمة) التي كنَّا نلعبها صغارا والتي تقوم في أساسها على التخفِّي.. لعلَّ هذه اللعبة تطارد الشعراء في كلّ مراحل أعمارهم عبر القصيدة التي تقوم بدورها على التخفِّي أيضا، وذلك عبر توظيف الكلمات القاموسية كأقنعة يختبئ وراءها المعنى ويبقى الشعراء يبحثون عنه في لعبة (قُمَّيْمَة) مجازيَّة لا تكاد تنتهي حتَّى تبدأ وكأنَّ (قُمَّيْمَاتُ) العمر الشعري ليس لهنَّ نهاية، وهنَّ جميعا يشتركن في فكرة اللعب ولكن يختلفن في الطريقة والمكان نظرا لاختلاف الزمان. وكأنَّ الشاعر يمارس لعبته الطفولية داخل قصيدته، إلا أنَّ لعبة (القُمَّيْمَةِ) الشعرية هذه تكاد تكون خالية من العبث المجرَّد واللاجدوىإنَّ الطفل الذي كان يختبئ بالأمس تحت السرير، ها هو يخرج اليوم ويختبئ بين السطور; والطفل الذي كان يختبئ بالأمس في دولاب الملابس، ها هو يختبئ اليوم في دولاب الهواجس; والطفل الذي كان يختبئ بالأمس فوق السطوح، ها هو ينزل اليوم للاختباء في ملاجئ الجروح; وكأنَّ الشاعر يمارس لعبته الطفولية داخل قصيدته، إلا أنَّ لعبة (القُمَّيْمَةِ) الشعرية هذه تكاد تكون خالية من العبث المجرَّد واللاجدوى كما هي العادة في لعبة (القُمَّيْمَةِ) الأولى، ولكن تبقى المتعة هي العامل المشترك بين اللعبتين. إنَّ الشعر هو قوَّة احتضان الحياة عبر احتضان الطفولة بكلِّ ما تحمله ألعابُها من أحلام قادرة على مواجهة الضعف واليأس واستنهاض كلّ القوى الداخلية لمقاومة الألم داخل الإنسان، وهذا ما يجعل الشعراء في حلمٍ دائمٍ وعملٍ دائبٍ للبقاء في حالةِ طفولة. [email protected]