كانت تتحدث عن ابنها الذي يسكن في مدينة أكثر هدوءا من المدن الكبرى الرياض ،جدة ، الدمام ، الخبر وتشير إلى عدم رغبته في الانتقال إلى المنطقة التي يقطنها والداه رغم أنه يعمل بها ويضطر يومياً إلى قطع ما يزيد على مائة كيلومتر ليذهب إليها، ما هو السبب؟ إنه الحفاظ على نقوده وتوفيرها فهو يعرف انه لو سكن في احدى تلك المدن سيستنزف ما في جيبه بهوس استهلاكي لا بديل له، المطاعم والأسواق التجارية في كل وقت اجازات منتصف الأسبوع وأحياناً في كل يوم تقريباً، لماذا نفعل ذلك في المدن الكبرى؟ لأننا لا نجد شيئا آخر نفعله فتحولت كل لقاءاتنا الودية واجتماعاتنا العملية في المقاهي والمطاعم بل حتى رياضتنا صارت في المجمعات التجارية المكيفة لذا نحن محاصرون بدوافع الاستهلاك في كل وقت، لكنهم في المدن الصغيرة لا يجدون هذا الكم من الخيارات الاستهلاكية فيلزمون بيوتهم أو بيوت أصدقائهم ويصنعون لأنفسهم أجواء خاصة نادرة ربما لكنها تقضي الحاجة. هناك دائما معاناة مع تدبير المصروفات وارتباك مالي شديد إذ أننا لا نعرف ماذا يعني أن تكون لي ميزانية خاصة نلتزم بها، لا يكون فيها الخروج للمطاعم مفتوحاً لجميع أفراد الأسرة الأب الأم الأبناء سواء جماعية أو منفردة لكل منهم مع أصحابه والجميع يغرف من الجيب نفسه، محفظة الأب أو الأم تلك المدن في الغالب هي مدن زراعية تكثر فيها المزارع والاستراحات الزراعية التي يجدون فيها متنفساً لهم. ولكن عندما تأتي الإجازات الطويلة تجدهم ينافسون سكان المدن في السفر إلى الخارج ولديهم ميزة أنهم ظلوا طوال العام يجمعون نقودهم لمثل تلك الرحلة العالمية.. أما نحن هنا فنتناول الفطور في مقهى ما والعشاء في آخر وفي الصيف قد يجن بعضنا ويأخذ قرضاً بنكياً ليسافر فقط!! حتى من أحوالهم المادية متواضعة سيخرجون إلى الكورنيش أيا كانت طبيعة الجو ولن يعودوا إلا وقد صرفوا مبلغاً وقدره إن لم يكن في الشراء من هناك فبالاستعداد لتلك النزهة وما تتطلبه من مأكل ومشرب وألعاب للصغار، ولهذا هناك دائما نقص وهناك دائما معاناة مع تدبير المصروفات وارتباك مالي شديد إذ أننا لا نعرف ماذا يعني أن تكون لنا ميزانية خاصة نلتزم بها، لا يكون فيها الخروج للمطاعم مفتوحاً لجميع أفراد الأسرة الأب ، الأم ، الأبناء سواء جماعية أو منفردة لكل منهم مع أصحابه والجميع يغرف من الجيب نفسه، محفظة الأب أو الأم. لا نعرف معنى أن يكون المطعم أربع مرات في الشهر فقط ولا نعرف أن الطلب من مطاعم الوجبات السريعة بالرقم نفسه، كل شيء مفتوح مفتوح.. والحجة هي الملل وعدم وجود أماكن للترفيه وعدم وجود سينما أو مسارح أو نوادٍ أو غيرها. ليكون للخروج معنى وإضافة وتهيئة لنعرف متى وكيف نصرف وهذه السياسة الاستهلاكية السيئة ترافقنا في السفر لدرجة أن بعضنا عندما يسافر لبلد لأول مرة لا يهمه أن يرى متاحفها بقدر ما يرى أسواقها ومطاعمها ومقاهيها ويلتقط بعض الصور أمام معالمها! فمن الطبيعي جداً أن تجد من يلتقط عشرات الصور له عند برج ايفل ولكنه لم يدخل إلى اللوفر، ويصور قرب هارودز ولكنه لا يكلف نفسه عناء التصوير أمام متحف ما ! والغريب أن هذا الجانب السيئ فينا لم يجد من يقومه حتى الآن لا من رجال الاقتصاد ولا من مدربي التطوير الذاتي فهل هذا لأن الأمر خارج عن السيطرة بسبب الملل. Twitter: @amalaltoaimi