بما أن الآراء استقرت أن يوم ظهور مقالي هذا سيكون عيدًا على الأرجح، فلقد وجدت نفسي في ورطة ما بعدها ورطة.. إذا كانت مهمة الكاتب بشكل عام استقراء أحوال الناس ورفع الهمم المثبطة وشحذ الفرح المسروق فكيف يمارس دوره وهو أكثر بؤسًا منهم يدور في فلك البحث والتحري لقنص فكرة مضيئة هنا.. ولتأمل مشهد جذاب هناك.. سحر الكلمات لا ينعقد في أقاصي البحار والمحيطات إنما في القلوب التي تخفق بأعجوبة رغم الضغوط المرتفعة والمنخفضة! وحين أتذكر أن للقرّاء عليّ (حق).. فسرعان ما أنقر الصخر والحجر لالتقط تردداته وأحفر حول النبع مجاري لأسرّب عذوبة ليست حكراً على أحد، في الكتابة أسرار دفينة يجيد فك شفرتها من توغل في معتركها، مجازفًا بما يملك من قوى عصبية ووجدانية، في الكتابة لابد أن تعقد العزم على الصمود في تودد للوعول للمضي بسلام في أحراش الفكر والأسئلة.. في الكتابة لابد من أن تكون ودودًا «واسع الصدر» مع الحرف لتستحلب رضاه واغداقه عليك بمفاتيح القبول والطيب.. نحن بحاجة لمزيد من الكتاب الفرسان القادرين بشجاعتهم على غزو المعاني الجديدة وامتطاء صهوة فكر جامح في أراض لم يطأها إنس ولا جان.. وعيد الكاتب دوماً في احراز اللؤلؤة الأصلية في الجنة المفقودة في قلب كل قارئ وفي عين كل من مرّ من هنا. وعلى الرغم من صلافة سهام الاجابات.. تبقى الأسئلة المواربة أكثر رحمة بنا من الكلمات المنغلقة على معانيها، والتجديد هيام في حلم يستعصي إلا على المبتكرين المجازفين الذين لا يترددون في اقتناص طير وجده نسر جائع لقمة سائغة في ظهيرة لا خير عميم فيها.. أقرّ بأن العيد الأسبوعي بالنسبة لي هو بصدور المقال وتفاعل القراء الذين يتساءلون عن طبخة مقالة الأسبوع القادم ونضجها في الفرن بينما حرارة مقالتي الحالية لم تبرد بعد، والقراء هم زاد الكاتب وزواده وتلقفهم بنهم وشوق لما يطرحه هنا إنما هو مدعاة لاستمرارية الالتزام والارتباط الروحي والفكري بهم، وفي ذلك قيد.. وحرية! هؤلاء القراء هم من يبعثون في الكاتب قدرة فائقة على الكتابة في أحلك الظروف والمناسبات، ولا يعلمون أنه قد يصارع على مشارف موت أو يعاقر الحيرة على عتبات ميلاد لكنهم كالريح الطيبة مرسلين لإنقاذ الكوكب من داء الخمول والفشل.. أقرّ أن بعض الكتاب الجدد يبعثون لي مقدرين حرفي باحثين عن أسرار الكتابة لعلي أمرر لهم أحدها.. ولا يعلمون أنها من الغموض والعصيان على صاحبها حتى تلين الجانب بالتودد حيناً وبالإعراض حيناً، وهو بين هذا وذاك إلى أن تغالبه الأفكار وتتجمع عليه فينتقي منها ما لذ لعقله وطاب لرؤاه! المفصل الوحيد الذي قد أفيد السائلين فيه هو الأسلوب الذي لا حكم لي عليه لكن لصاحبه قدرة على السيطرة فيه، فبين العبارات النابضة بالحياة والحرف المتلألئ بالمعنى العميق ليس عندي نصيحة أخرى سوى الحرص على المصداقية وأن تقع المفردة موقع «الطوبة» بمقاسها المحدد من البناء.. بدونها يختل التوازن ويصعب الانتقال للطابق الثاني.. لذلك فقولي للكاتب الجديد ان تماسك النص.. ثم تماسك النص.. ثم تماسك النص هو اللعبة التي تقع قيد سيطرتك فلا تغريك الكلمات برونقها فتستطرد بعيداً عن بنائك الشاهق وأنا معك أقاوم بشدة إغراء الكلمات.. نحن بحاجة لمزيد من الكتاب الفرسان القادرين بشجاعتهم على غزو المعاني الجديدة وامتطاء صهوة فكر جامح في أراض لم يطأها إنس ولا جان.. وعيد الكاتب دوماً في احراز اللؤلؤة الأصلية في الجنة المفقودة في قلب كل قارئ وفي عين كل من مرّ من هنا.. في الظفر بالقيمة من أشياء تدعي البهات وفقدان القيمة والعراقة، في إعادة بريق الحياة بعصا سحرية لكلمة اندثرت.. أو لقول مأثور يعيد نفسه اليوم في سياق الحكمة.. كل عام وأنتم عيد الكتاب.. كل عام وأنتم نجوم تحلق في سماء الإلهام والعطاء والجمال.. تويتر: @Rehabzaid