في الوقت الذي يتشكل رأي عام إيجابي تجاه السياحة الداخلية؛ فإن ذلك يحفز القائمين على أمر هذا القطاع لوضع خريطة طريق تواكب الاحتياجات والمتطلبات السياحية، وهكذا يتحقق النجاح التنموي المنشود. كتبت سابقا عن السياحة الداخلية ودور الهيئة العامة للسياحة والآثار في تطوير الوعي بمقوماتنا السياحية وما لدينا من امكانات تجعل كل مواطن يتحرك شرقا وغربا وشمالاً وجنوباً في مملكتنا الحبيبة ليتعرف على تراث وحضارات عميقة الجذور لا تزال بعيدة عن ادراك كثير من المواطنين، أي أننا في مرحلة استكشاف واستقطاب، ليس بالضرورة في سياق عاطفي لتنشيط سياحتنا؛ وإنما من واقع مجريات موضوعية تؤكد ثراءنا بمقومات ومعطيات متعددة تشبع نهم ورغبة من يبحثون عن تفاصيل الطبيعة وأحداث القرون الماضية واثارها، وللحقيقة تبذل الهيئة جهدا كبيرا في هذا الإطار وتعمل على تحفيز القطاع الخاص ليكون شريكا مهما في تفعيل برامجها. وقد وصلتني رسالة قيمة من الأستاذ حسن بن علي السلطان مدير الإدارة العامة للمنتزهات الوطنية سابقاً، وهو شخصية معروفة باهتماماتها السياحية والزراعية، وكانت رسالته تعقيبا على ما طرحته، وقد ( نورني ) بتجاربه في مجال المنتزهات ومفاهيمها البيئية والترفيهية والعناية الاحترافية بأمور البنية التحتية، وقد طرح تساؤلا حول ما ذهبت إليه من أن هيئة السياحة والآثار اكتشفت بعض المواقع وهيأتها للسائحين ونظمت الندوات والمؤتمرات للتعريف بها، وتناول الأخ الكريم في تعقيبه دعوتي للقطاع الخاص للاستثمار في القطاع السياحي، وأشار إلى أنّ ذلك أمر ينشده الجميع دون السؤال عن سبب احجام القطاع الخاص عن المشاركة في مثل هذا النشاط الواعد، والقطاع الخاص قناص للفرص في كل المجالات الاستثمارية، فلماذا يحجم عن نشاط يمثل ثاني موارد الدخل الوطني حسب وصفي له؟!! ويضيف ان مساحة المملكة أكثر من 2 مليون كيلومتر مربع، وتنتشر فيها هذه المواقع بشكل عشوائي دون توفر للخطوط الجوية والسكك الحديدية، أو القائمين على خدمات المرافق على الطرق البرية، وطالما أننا لا نستطيع الوصول بسهولة إليها فكيف يستثمر فيها القطاع الخاص؟! ويقول الأستاذ السلطان: « لو كنت مواطنا أرغب في تعريف أبنائي بوطنهم وعريق حضارته، وروعة بيئته، وجمال جزره وسواحله، وسأذهب من مدائن صالح في الشمال إلى منتزه عسير في الجنوب، ومن ضفاف جزيرة فرسان إلى كورنيش الدمام، فكيف سأخطط لرحلتي هذه؟! وكم ستكلفنى؟» ويضرب مثلا بتجربته الخاصة قائلاً: «لقد وفقت بحكم عملي للانخراط في دورة دراسية عن المنتزهات الوطنية، بدأت في ألبرتا في كندا، وانتهت في توسان بولاية أريزونا في الولاياتالمتحدةالأمريكية ( يعني من شمال القارة الأمريكية الشمالية إلى جنوبها ) ولم نشعر فيها بالملل، ولا بالمسافة، وذلك لتوفر الخدمات والاستراحات في كل موقع حطت فيه قدم!! فأين نحن من ذلك؟!! لدينا المال والرجال والعقول والرؤية والمسؤولية .. وأضاف: «نعم الهيئة تضرب بمعولها فى الصخر لكن التناغم معها مفقود» ونحن نحتاج لخطة وطنية تتضافر فيها كل الجهود من القطاعات الحكومية والأهلية ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالسياحة والآثار والخدمات أمثال خطوط الطيران والسكك الحديدية والنقل الجماعي وشركات الفنادق ومكاتب السياحة والوزارات ذات الاهتمام كالزراعة والبلديات والحج والتعليم العالي وغيرهم لتهيئة هذه المواقع بما يليق بالزائر من الداخل والخارج. لا شك أن البنية التحتية أحد أهم محفزات القطاع الخاص للاستثمار السياحي، ولذلك أوافقه فيما ذهب اليه خاصة وأن رؤيته قائمة على تجربة شخصية في بلدان لها تاريخها السياحي، ومن المهم الاستفادة من مقومات نجاحها وتطبيقها لدينا حتى نعمل وفقا لأفق سياحي واسع يستلهم حضارتنا وتراثنا ونقدمها في أفضل الصور، وفي الواقع لمست هذا التوجه وأكثر لدى الهيئة العامة للسياحة والآثار أثناء لقاء مع أمينها العام الأمير سلطان بن سلمان ومجموعة من رجال الهيئة في الرياض حين كنت بصحبة فريق يضم مجموعة من المهتمين.