لا يمكن الانكار بأن التنازل هو أحد الأسباب القوية لهلاك الأمم واندثار الحضارات عبر التاريخ، حيث انه ما ان تلبث أي أمة في الحصول على مكتسباتها وبلوغ أوج نهضتها، وتدب بين أبنائها الخلافات حتى تطيح بتلك الأحلام والآمال، وتبدأ بالتدني وأفول نجمها، حتى تصل إلى درجة من الضعف تغري أعداءها بالتربص بها والانقضاض عليها من كل صوب حتى تندثر وتزول، ولهذا كان التنازل هو الطريق السريع إلى فشل الأمم وزوالها. في المقابل نجد أنه في الاتحاد قوة، وما ان تلبث كافة عناصر الأمة على اختلاف أشكالها وتنوعاتها في التمسك بالوحدة، والانصهار في بوتقة واحدة حتى تتجه بكامل امكاناتها إلى التنمية والازدهار، وهو ما ينعكس بالإيجاب وبقوة على رخاء كافة أبناء هذه الأمة وازدهار معيشتها وارتفاع مستوى دخلها. دائما يؤدى التنازع الى الفشل، لأنه يُثير الكره والشحناء بين البشر، ويمحو التعاون والألفة بين النفوس، ويجعل النفوس تتربص بعضها البعض، و يمكر كل طرف بالآخر، مما يُطْمِع الأعداء فيها، ويشجعهم على النيل منها، والتجرؤ على خرق حرماتها، واختراق محارمها. وإذا نظرنا إلى أسباب التنازع الرئيسية، نجد أنه نظر من لا يملك للحصول على ما لا يستحق، وتهيئ له نفسه أنه أهل لذلك، فيتبع هواه فيضل السبيل، وينصب من نفسه حكماً دون وجه حق، فيضلل الناس، ويتخذ من وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة وسيلة ليضلل أكبر قدر حتى تعم الفوضى ويصير الخراب، وتنقسم الأمم بالباطل. والصحيح أن يرد الأمر إلى أهله دائماً، فرجل الدين العالم الدارس المؤهل يلجأ إليه دائماً في أمور الدين حتى لا يختلط الحابل بالنابل. وعلماء العلوم المختلفة يلجأ إليهم في تخصصاتهم، وبهذا نصل إلى أكبر درجة من التجانس. وعندما تواجه الأمة إحدى المشكلات تجتمع عناصرها لوضع أنسب الحلول في إطار من الود والإخلاص وإنكار الذات، دون هوى أو ميل أو زيغ أو ضلال. ووفق هذا المرتكز يجب علينا جميعاً أن نسير، ويجب علينا أن نراجع ونسأل أنفسنا، هل نحن مخلصون حقاً لأمتنا، ونعطيها بقدر ما أخذنا منها. والإجابة تكون بأن يحرص الطالب على الاجتهاد والنبوغ في دراسته، والعالم بأن يجيد فنون علمه، والمسؤولون بالاستمرار والمحافظة على ما بيدهم من مسؤولية، فالجميع مسؤول عن رفعة ونهوض الأمة، ولن تقوم قائمة لأمة من الأمم أبداً إذا ما دخلت في النزاعات والتناحر. قال الله تعالى ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) فالتنازع باب الفشل . . ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يوصي رسوليه إلى اليمن ( معاذ وأبو موسى ) رضي الله عنهما بقوله ( تطاوعا ولا تختلفا ) ! فالاختلاف شر كله ..! يُذكر أن المسلمين في الأندلس كانوا طائفتين فحصلت بينهما مقتلة عظيمة .. ومنها استطاع الأعداء غزو الأندلس والسيطرة عليها..!! ولما كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلاف الآراء والتوجهات، وهو أمر اصيل في الفطرة والطبيعة البشرية، وضح القرآن القول فيه ببيان مساوئه وعيوبه، ورتب عليه في الآية هنا أمرين: الفشل {فَتَفْشَلُواْ} وذهاب القوة {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} والفشل في الآية هنا المقصود به الفشل في مواجهة العدو وحربه ؛ وذهاب الريح في الآية، كناية عن ذهاب القوة، والدخول في حالة الضعف والوهن. فدائما يؤدى التنازع الى الفشل، لأنه يُثير الكره والشحناء بين البشر، ويمحو التعاون والألفة بين النفوس، ويجعل النفوس تتربص بعضها البعض، و يمكر كل طرف بالآخر، مما يُطْمِع الأعداء فيها، ويشجعهم على النيل منها، والتجرؤ على خرق حرماتها، واختراق محارمها. وخلاصة القول في الآية: ان الاختلاف والتنازع لابد ان يأتى بالفشل والخسران ، وأن التعاون والوفاق سبب للفوز والنجاح في الدنيا والآخرة؛ والقارئ لتاريخ الأمم والشعوب - بما فيها تاريخ أمتنا الإسلامية - لا يعجزه أن يقف على العديد من الأحداث والشواهد والمشاهد - وعلى المستويات كافة - التي تصدق ما أخبر به القرآن الكريم. [email protected]