تخرج قبل أيام ما يزيد عن سبعة آلاف وخمسمائة مواطن ومواطنة في أرقى الجامعات الأمريكية، وسمعنا جميعاً عن الحفل المهيب الذي أقيم والخطب العصماء التي ألقيت، واللفيف من رجالات الوطن ممن شاركوا لتزداد المناسبة هيبة ووقاراً. شبابنا يستحقون كل احتفاء واهتمام لاسيما من قام منهم بالمهمة المناطة به على أتم وجه؛ فقد اختاره الوطن مبتعثاً فذهب واجتاز الصعاب وتحمل آنات الغربة وتحديات التحصيل العملي فنال الشهادات العليا. الآن، ماذا بعد؟! بعد الاحتفال في واشنطن أتمنى أن نقيم لجميع الخريجين من المبتعثين حفلاً مهيباً ها هنا في الرياض برعاية ملكية؛ فالبرنامج باسم الملك –يرعاه الله، ومع الحفل والكلمات التي ستُلقى نقدم لكل خريج وخريجة حقيبة من الهدايا تتضمن: على الأقل عرض وظيفي قيم، وقرض من صندوق التنمية العقاري لشراء مسكن، ومبلغ نقدي لا يسترد يرتب به الخريج أوضاعه فلعله بحاجة لوسيلة نقل أو أثاث أو عليه بعض الالتزامات المالية. وسيصرخ البعض: وما مبرر النفقات الاضافية، فقد تخرج وأنهى بعثته والآن يعود حاله حال بقية خلق الله! العرض والهدية يجب أن تقدما لكل خريج سواء من مبتعث أو من خريجي جامعات الداخل الحكومية والخاصة، والسبب أن علينا كمجتمع أن نرسل لهذه الشريحة المُنجِزَةُ من أبنائنا وبناتنا..يجب أن نرسل لهم رسائل متسقة متناغمة وجادة وملموسة مفادها أن الوطن ينتظر بلهفة إسهاماتهم ويتحرق ليلتحقوا بعجلة الانتاج والبناء. أما ما يحدث حالياً، فخريج الجامعة –في الغالب الأعم- سيعاني أشهراً من ويلات البطالة، وسيتحمل «تشنيعات» مِن مَنّ لم يستطيع إنهاء مشواره الجامعي، وستقال له عبارات مُحبِطة من نوع «ما فائدة دراستك الجامعية؟»، وسيكون وضعه حرجاً بالفعل إن بدأ حياته «بالسلف والطلب» من هذا وذاك لريالات حتى يقيم بها أوده أو ليجعلها مصرفاً لجيبه. وفوق هذا، أن يحدث مثل هذا «الزهد» في احتواء الخريج في بلدنا يعني تناقضاً ليس له مبرر؛ فبلدنا –حفظها الله- تتلقف آلاف من العمالة الوافدة يومياً، ونتحمل كمجتمع مقولات ليس فيها من الانصاف شيء: أن ليس لدى السعودية مؤهلين! ماذا نسمي من تخرجوا من أفضل جامعات العالم؟ أليسوا مؤهلين؟! وخير رد أن نعتني بهم ونمنحهم الفرصة ليكونوا الأفضل ولننافس بهم العالم. ومن تشنيعات بعض «المعلقين» الاقتصاديين أن الاقتصاد لايولد فرص عمل كافية لذا نعاني من البطالة، الأقرب للحقيقة أننا كمجتمع نستقدم ونستقدم ونستقدم العمالة الوافدة لدرجة أنها تزاحم وتنافس العمالة المحلية وبالأخص الخريجين الجدد المتطلعين لدخول سوق العمل لأول مرة بحثاً عن وظيفة. هناك جيل عاصرته حظي بهدية نقدية من الخزانة العامة للدولة قدرها 50 ألف ريال عند التعيين رغبة في استقطابهم للعمل في الجهاز الحكومي. يمكن الجدل، أن ما جعل الأمر مبرراً آنئذ يجعله مبرراً الآن، وخصوصاً أن القصد من برنامج الابتعاث لم يك مجرد تخريج جامعيين ليقبعوا في بيوت ذويهم أو ليهمشوا بل ليمدّ الاقتصاد الوطني بالمؤهلين بناء كوادر قادرة على رعاية البلاد والسير بها قدماً ولن يحقق ذلك خريجٌ تلاشت معنوياته وضعف أمله بعد أن قابلنا تحرقه للعودة ببرودة العطالة ومرارة الفاقة. تويتر: @ihsanbuhulaiga